الدكتور صادق القاضي يكتب لـ" 2ديسمبر": الحوثي.. بين الدولة والديولة والسلطة والسلبطة!
للشعوب المقهورة دائمًا أساليبها العبقرية، الجادة أو الساخرة، في التعبير عن غلبها ومعاناتها السياسية، من أظرفها في اليمن، التعبير عن الأشكال والممارسات السياسية المنحرفة، بتحريف المصطلحات المعبِّرة عنها، كالتعبير عن افتعال دور "الدولة"، بـ"الدّيولة"، والتعبير عن إساءة استخدام السلطة بـ"السلبطة".
كان الشعب اليمني يستخدم هذه المصطلحات المحرفة عادةً للتفريق بين الدولة وحكم العصابات، أو بين ممارسات السلطة الحقيقية وعنف وعنجهية البلاطجة، ولا أبلغ من هذين اللفظين اليوم في التعبير عن الظواهر والمظاهر السياسية السائدة في المناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرة المليشيا الحوثية.
لا وجود في هذه المناطق المختطفة لـ"دولة" بالمعنى الاصطلاحي الحديث؛ حيث الدولة: كيان منبثق من الشعب لتمثيله وإدارة شؤونه ومصالحه الدنيوية، وفي حين أن أبرز مظاهر الدولة هي التنمية والخدمات.. يرى الحوثي أن وظيفة الدولة ليست في التنمية والخدمات، وحفظ الحقوق أهمها الرواتب؛ بل في فرض الواجبات والجبايات، وهداية الشعب وقيادته إلى الآخرة!
قد يرى بعضهم أن الجانب الأمني: احتكار العنف والتنكيل ووسائل العقاب.. هناك من مظاهر الدولة، لكنها نظرة ساذجة، تخلط بين الدولة والسلطة، وفي كل حال "السلطة" هناك تتم ممارستها بأشكال همجية فجة، قائمة على الردع لا الحماية، وفرض الطاعة لا تطبيق القانون، ما يعيد للأذهان ممارسات الأئمة في القرون البدائية الغابرة.
في الحالين، ليس هناك دولة طبيعية ولا سلطة سوية، وما دامت الأمور تجري بشكل غير سوي ولا طبيعي، فالأنسب التعبير عنها بشكل ملائم، بمفردات محرفة وغير معتادة: ديولة وسلبطة، أو هكذا تفتقت ذهنية الإنسان اليمني البسيط في الاحتجاج والاعتراض على الممارسات غير السوية حوله.
في الوضع الطبيعي الحديث، لـ"الدولة" و"السلطة" مفاهيم نظرية وتجليات عملية تجعل منهما أنبل وأفضل ما تفتقت عنه الحضارة الإنسانية، من نظم سياسية وإدارية، لتنمية الدول، وإدارة مصالح الشعوب، وفي كل مرة في إطار "نظام سياسي" منبثق عن الشعب، وقائم بموجب دستور وقانون وعقد اجتماعي توافقي.
في المقابل؛ "التجربة الحوثية"، للدولة والسلطة، كوميديا سوداء، تصبح أكثر طرافة ومرارة على صعيد المقارنة، بالماضي القريب جدًا في اليمن، أو بحاضر الدول المجاورة، ومهما كانت هذه التجارب قاصرة؛ لا يمكن مقارنتها بما بات عليه الأمر في ظل جماعة تحاول بكل عزم وإصرار العودة إلى الماضي السحيق، في حين تتسابق الأنظمة على امتلاك المستقبل!
فرق شاسع بين الدولة والديولة والسلطة والسلبطة، وقد يتفاءل بعضهم في التجربة الحوثية، بأن تتحول هذه الديولة إلى دولة، وهذه السلبطة إلى سلطة.. لكن؛ لا يوجد ما يشجع على هذا التفاؤل، الجماعة الحوثية معتنقة لأيديولوجية كهنوتية صلبة لا يمكن تحديثها أو تطويعها للمدنية والحضارة.
وعلى العكس، هذه الجماعة والأيديولوجية تسير بالاتجاه المعاكس للتاريخ، من التطرف إلى الأكثر تطرفًا، ومن التخلف إلى البدائية. خلال مؤتمر الحوار الوطني، قبل اجتياح صنعاء، كان رأي بعض القيادات الناعمة لهذه الجماعة، مع القانون والدستور، وصرح بعضهم بوجوب فصل الدين عن الدولة التي ينبغي أن تكون علمانية في خدمة الشعب!
تمت تصفية هذه القيادات الناعمة لاحقًا، وحتى بعد اجتياح صنعاء، والانقلاب على الدولة والإجماع الوطني.. ورغم ممارساتها الهمجية.. ظلت هذه الجماعة، ولأهداف ذرائعية، أكثر مرونة وانفتاحًا على الحوار والآخرين مما هي عليه اليوم، ولا بد أنها غدًا ستكون أكثر خشونة وانغلاقًا وشمولية مما هي عليه اليوم.
من الصعب حد المستحيل- حسب منطق التاريخ- أن تتحول جماعة دينية مسلحة إلى حزب مدني ديمقراطي، أو من عصابة إلى دولة، حتى لو استحوذت على السلطة؛ الأمثلة كثيرة من طالبان إلى حزب الله، ومن الحشاشين إلى بوكو حرام.. وفي أحسن الأحوال بالنسبة للجماعة الحوثية، ستظل هذه الجماعة سلطة، سلطة فقط، ولن تتحول إلى دولة، بالمعنى الحديث للدولة، حتى لو حاولت هذا بعض قياداتها الناعمة.