ضبط 750 طنًا من الأسلحة يكشف الوجه الخفي لحرب اليمن
عملية زلزلت المنطقة من أساسها، واكتشاف غيّر قواعد اللعبة بالكامل. لكن ما هو قادم أكثر صدمة.
بدأ كل شيء بهدوء، في أواخر يونيو الماضي، دون أي ضجيج يُذكر. هناك، في عرض البحر قبالة الساحل الغربي لليمن، رصدت قوات المقاومة الوطنية شيئًا مريباً.. لم تكن مجرد حاوية عادية، إنها أشبه بمستودع ضخم مليء بالأسلحة، عُثر عليها قرب جزيرة حنيش، بالقرب من المخا وساحل البحر الأحمر. وجهتها إلى أيدي مليشيا الحوثي الإرهابية. تحوي بداخلها كل ما يلزم لإبقاء نار الحرب مشتعلة في اليمن، وربما لإشعال صراع إقليمي أوسع: من صواريخ كروز، إلى محركات طائرات مسيّرة جاهزة للعمل، وحتى كتيبات مكتوبة بالفارسية صادرة عن وزارة الدفاع الإيرانية.
كمية المعدات المهربة إلى اليمن غير مسبوقة، وتشير إلى تخطيط عسكري دقيق، شملت الشحنة صواريخ مضادة للسفن شبيهة بتصميمات "NOR" أو "Gator" الإيرانية، ومحركات طائرات مسيّرة بمدى أطول من السابق، وأنظمة توجيه عالية الدقة.
حين أتخيل نفسي مكان الجندي الذي تقدم عملية الضبط، أشعر برعب حقيقي. عند فتح الصناديق، كانت المحتويات جديدة تمامًا، مغلفة بإحكام، نظيفة وسليمة، وكأنها خرجت لتوها من خط الإنتاج. أما الكتيبات، فكشفت نصوص بالفارسية، شعارات عسكرية، وأسماء شركات تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، مما يؤكد أن الشحنة جاءت مباشرة من إيران إلى اليمن.
لا مجال للشك أو الإنكار، فالمعطيات مادية وموثقة. أليس هذا انتهاكًا صارخًا لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة؟ دون جدال. إيران ممنوعة من تسليح الحوثيين، ما يعني أن هناك شبكات تهريب سرية لا تزال تعمل، سواءً عبر البحر أو الجو أو من خلال وكلاء محليين.
وراء هذه العملية خيوط توتر إقليمي غير معلن. وإذا دققت النظر، ستلاحظ آثار تحركات في بحر مؤمّن. بعض الأسلحة قد تكون مرت عبر طرق باكستانية، ضمن شبكة تهريب معقدة، أشبه بسيناريو من أفلام التجسس.
هناك جانب أكثر رعبًا لم يُسلط عليه الضوء بما يكفي؛ بين الشحنات، قاذفات صواريخ محمولة وجاهزة للاستخدام، ليست مجرد قطع غيار أو أدوات، بل أطقم كاملة لمعركة فورية. فقط أضف الأوامر، حرب مغلّفة داخل صندوق، قادرة على إشعال السماء.
كل صاعق متفجر يعني حياة مواطن يمني تمحى، وكل صاروخ قد يُبيد معسكرًا بالكامل، بنى تحتية، موانئ، سفن، أرصفة.
وماذا كان رد إيران؟ صمت في البداية، ثم إنكار متكرر. ادعوا أنها حملة دعائية. لكن الصور، الوثائق، والشعارات العسكرية فضحت الحقيقة. حتى العبوات كانت تحمل علامات تجارية إيرانية واضحة، لا مجال فيها للإنكار.
قد يتساءل البعض: لماذا المخاطرة؟ الجواب واضح. إنها لعبة كبرى لتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط. بهذه الأسلحة، أصبح الحوثيون لاعبًا عابرا للحدود، وورقة ضغط بيد طهران. كل هجوم يربك الأسواق ويستدعي ردودا دولية.
تخيلوا الآن لو أن تلك الشحنة وصلت إلى وجهتها. لكانت موانئ الشرعية اليمنية دمرت وهي موقوفة ولكانت منازل ومساجد وبيوت اليمنيين تحولت إلى رماد.
نحن لم نوقف الشحنات فحسب. بل كشفنا الحقيقة وراء حرب اليمن القذرة المستمرة. كانت بصمات إيران في كل مكان، والآن لدينا الدليل. لم تكن هذه إشاعة، بل دليل قاطع بين أيدينا.
نقاتل على الجبهات، لكن الحقيقة أن الحرب اليوم تبدأ من داخل الصناديق. من حاويات معدنية تحمل ملصقات فارسية على صواريخ جاهزة للإطلاق. هذه هي ساحة المعركة الجديدة.
قد يتساءل البعض: هل كانت هذه الشحنة حالة استثنائية؟ أم أن هناك المزيد ينتظر في الظل؟ هل تتجه حرب اليمن بالوكالة نحو تصعيد أشد دموية؟
ضبط هذا الجبل من الأسلحة الإيرانية لم يكن مجرد نجاح أمني، بل كشف لنا جانبًا من الحقيقة: الحرب لا ترتدي دائمًا الزي العسكري. أحيانًا تبدأ من مستودع معزول، بصندوق مختوم، بملصق مصنع، وبأمر إطلاق مؤجل.
فكروا جيدًا: ماذا لو كانت هناك ألف طن أخرى في طريقها الآن؟
ماذا لو انفجر صاروخ في ميناء يمني أو إقليمي غدًا؟
ماذا لو سمح صمتنا لكابوس نووي أو كيماوي إيراني بأن يتسلل دون مقاومة؟
فاسألوا أنفسكم يا يمنيين، يا قادة الشرعية، يا جيشنا وقواتنا: إلى متى سنبقى نُراقب هذا العبث الإيراني دون رد؟