اللسان والمرجع
أصعب ما يمكننا سماعه على نحو يومي هي تلك المصطلحات الأجنبية التي يرددها جميع من حولنا أثناء الحديث، هذه الإشكالية في استخدامها المتزايد والمتعمد، من جهة تعني أن الثقة باللسان العربي أخذت تنزاح من روح مستخدميها، ولكن من جهة أخرى تعني أيضاً تقهقر الترجمة العربية، وهزيمة التعريب الذي ساهم في ضعفها، لعلمنا أن العاجز عن التعبير في زوايا لغته بهدف إطلاق ميادين فكره وقلبه، سيمضي حتماً إلى طريق لغوي لا نظام فيه، حتى يضعف لسانه ويهرب إلى لسان آخر.
الإخفاق الذي نمر به في لغتنا العربية مسؤوليتنا جميعاً، وقد لاحَ منذ أن أغرمنا بالمدارس الأجنبية لوضع أبنائنا فيها، ومنها تتابع الأمر بعدم الاهتمام بتطوير وتجديد قواميسنا العربية التي من الطبيعي أن تنمو من خلال المفردات الدخيلة والكثيرة لنتلاحق ونمضي في لسان الأغراب بخيلاء وزهو.. وأخيراً بقبول المصير، فاللغة الدخيلة قد تعجرفت بعد انتصارها، وها هي تفوز بالواجهةِ اعتماداً وتوظيفاً وترقية.
وكم ساعد الغباء على هذه السيطرة، فلقد هرم ذكاء اللسان وغَلِظ عندما توسع الحمق، فكيف يعبر الإنسان عن نفسه بلغة من سيطر وانتصر؟ هذا بعد أن أصبحنا نصدر ثقافتنا من لباس وطعام وكتب وفنون بلغة أجنبية تجارية إعلانية ضعيفة ليستخف بنا الآخر.
لقد حصل ما حصل، وبلا مبالغة تمت السيطرة على ألسنتنا المنعكسة في أشيائنا ونحن نتواصل مع العالم بخيبة، فلا مصدر ولا مرجع لهذا اللسان المنهار، والذي أصبح من خصائصه عدم إنتاج مفردات جديدة على ما استجد، بعد أن خارت بنيته، هذا اللسان الذي كان مرافقاً للقلب وهما الأصغران أي الأجملان لفظاً وحفظاً.
حتى الموسوعة الوطنية الشاملة التي تلد بصعوبة، والتي بإمكاننا الاشتغال عليها ونحن في رخاء وأمان، هذه الموسوعة التي من شأنها أن تكون ذات قابلية فيما بعد على النمو والامتداد لأهميتها، لأننا نعرف أنه لا تتحقق إنتاجية الوظائف دون مراجع مطبوعة وبالتالي إلكترونية، المتمثلة بمراجعنا الخاصة التي لاجدها، مراجعُ تمنح الباحث الموظف أياً كان اشتغاله.. ما يريد وفي أقل وقت ممكن.
وكذلك تلك الأوعية غير المرجعية من أجل الاستزادة تعليمياً للمعلم والتلميذ، وإعلامياً للمحرر والصحافي، وجغرافياً للاستعانة العلمية من مناخ ونبات، ومن أجل نظرياتنا الخاصة بالصحراء والبحر والفكر والاقتصاد.. فأين هي تلك الأوعية المعنية بمختصر الحقائق؟
ومع كل ذلك وكي لا نيأس تماماً، فإن ما يعزينا الآن هو مشروع «تحدي الترجمة» المندرج ضمن مشروع محمد بن راشد للتعليم الإلكتروني العربي، فإن أردنا تصدير ثقافتنا فعلينا بالاشتغال على الترجمة وعلى موسوعاتنا الخاصة بأنفسنا، وقبل فوات الأوان، أقول ذلك لأن العربية ورغم المبادرات، قد شاخت على ألسنة أطفالنا وأجيالنا الشابة.
*نقلاً عن "البيان"