المياحي ضحية محاكمة هزلية وحكم جائر!
لا شيء أكثر قبحاً من الاختطاف والاعتقال والتعذيب إلا تبرير تلك الأفعال الحوثية المشينة بمحاكمات هزلية قمعية، تلفيق تهم جسيمة لمعتقل قضية رأي، وتقييد فرص دفاع المتهم عن نفسه حسب القوانين واللوائح القضائية، وفوق هذا الاستهتار القمعي يتم الترويج أمام الرأي العام ووسائل الإعلام عن استقلالية القضاء وممارسة مهامه بشفافية ونزاهة، رغم الهيمنة الكهنوتية عليه.
بين الفينة والأخرى تستحضر الصورة المشوهة للقضاء من جديد هناك كلما غفونا عن تذكر قبحها، ومحاكمة الكاتب الصحفي محمد المياحي المعتقل منذ سبتمبر 2024 أحيت بشاعة المليشيات من جديد، وفضحت انتهاكاتها لقوانين ودساتير عمل القضاء المستقل، فحسب المصادر التي حضرت جلسات المحاكمة أطل المياحي بهيئة دمرها التعذيب والتحقيقات القاسية طيلة فترة الاعتقال، وما زال يتحلى بثبات الرفض وعدم الاستسلام كمحارب لا يتخلى عن مبادئه ولم تنهزم عزيمته.
طبعاً، كان لهذا الكاتب -في نظر الجماعة- وقع مختلف وصدمة قاسية ناجمة عن الفزع السلالي الذي ارتعب من هول الشجاعة المطلقة للكاتب وجرأته على تهشيم صنمية الكهف وإذلالها في عقر دارها وفي قلب تسلطها وبطشها، كمجاراة ندية وتجاوز اخترق تحصينات القمع واستهان بوحشية عقابها، فكانت كتاباته صوتاً مدوياً يستحيل من منظور الكهنوت أن يصدح بها وجهاً لوجه، ويدفع من خلالها نحو تأليب اليمنيين وتمسكهم بحتمية الرفض والتشبث بقوة الثوابت الوطنية الوجودية، وعدم الاستسلام مهما كلف ذلك الدرب من ثمن، لكنه يهون إزاء الإذلال والاستعباد واليقين بفكر الجماعة ومشروعها التدميري.
المحاكمة الهزلية التي أفضت إلى إصدار حكم جائر يقضي بسجن المعتقل عاماً ونصف، ودفع غرامة ضمان خمسة ملايين ريال، وكتابة تعهد خطي للكف عن مزاولة مثل ذلك التوجه مرة أخرى، وقد قوبل ذلك الحكم باستهجان واسع وسخط عارم يستنكر ما وصلت إليه الجماعة من تعنت وعبث وتحويلها لمناطق سيطرتها إلى ساحة مغلقة تقتصر على بسط نفوذها والتحكم بإرادة الناس فيها والتنكيل بالأصوات المناوئة لها بشكل علني أو بشكل خفي.
ومن المؤكد أن إجراء المليشيات لمثل هذه الهزلية القضائية مع أي معتقل في قضايا رأي سياسي ينم عن اتباعها إقامة هذا الطقس كروتين لحظي، إما للظهور بمظهر الدولة أو لكي تحظى بتهافت جماهيري يقف على عتباتها وتنديد نخبوي يشفع عندها ويترجاها، ومن ثم النشر عن تساميها وعدالة سلطتها في السوشيال ميديا، وكأن كبح الأصوات المناوئة والأقلام الرافضة الحرة المستهجنة لسلطة انقلابية مستبدة لم يعد ذا أهمية في منظور المشاهير والناشطين المحايدين المقيمين في مناطق سيطرة المليشيات.
والأهم من كل هذا أن انبثاق هذا التيار الذي مثله المياحي بمثابة اختبار صعب يؤكد أن نجاح مشروع السلالة وبقاءه هذه المدة لا ينم عن قبول وقناعة، فهناك الكثير من العزائم النابذة له، والمستعدة للتضحية في سبيل رفضه على شاكلة شجاعة المياحي، ورباطة جأشه التي كسرت المعادلة الحوثية التي ظنت أنها استعبدت القلوب والعقول كما استعبدت الأجساد والأرواح، وأنها بلغت الكمال في التقبل والرضوخ ولم يعد هناك من أثر لمتمرد عليها أو رافض لوجودها، سيبقى المياحي نموذجاً للوطنية ومثالاً للشجاعة والإخلاص في قول الحق ونبذ الزيف.