سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر، من ملف بعنوان (خرافة الولاية)، وفيما يلي الحلقة الثانية والعشرون..

 

من أهم التفسيرات للتشيع الفارسي الذي يصر عليه السنة –كمبرر-  وينكره الشيعة رواية تتحدث عن زواج إحدى بنات يزدجر آخر أكاسرة فارس بالحسين بن علي وبقاء عقب الأخير منها فقط تمثلاً في زين العابدين علي بن الحسين.

 

الشيعة عموماً لا تنكر حادثة الزواج بل تضيف عليها قصصاً أسطورية، ما تنكره هو أنها أساس تشيع الفرس باعتبار أن الأمر لو كان كذلك لانقسموا في تشيعهم بين علي، وعبدالله بن عمر، ومحمد بن أبي بكر – جد جعفر الصادق – كونهم جميعاً تزوجوا من ثلاث بنات ليزدجر أسرن عند فتح المدائن أوائل السنة السادسة عشرة للهجرة.

 

وتكمن أهمية القصة في مكونها السلالي حيث تفترض أن النطفة الرفيعة الساسانية تمازجت مع النطفة الرفيعة العربية، وبالتالي استمرارهما معاً في زين العابدين وذريته.

 

قصة التزاوج هذه أنكرها المفكر الإيراني الشهير علي شريعتي الحاصل على شهادتي دكتوراه في التاريخ والاجتماع، على أساس أن شهربانو بنت يزدجر أنجبت زين العابدين بعد أكثر من عشرين سنة من زواجهما المفترض.

 

وبمقارنة التواريخ أسوة بطريقة شريعتي يورد المؤرخون أن يزدجر قتل عام 31 هجرية عن عمر 28 سنة، وعليه تكون ولادته في السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة، وإذا كانت المدائن فتحت أوائل السنة السادسة عشرة فإن سن يزدجر حينها يكون 13 أو 12 سنة وهو سن دون البلوغ الجنسي الذي يمكنه من الإنجاب، فكيف أنجب عدة أبناء بينهم الثلاث الأسيرات. إلى جانب ذلك لم يكن الإمام الحسين وقتها قد بلغ سن الزواج. للخروج من إشكالية سن الحسين قيل إنه تزوجها في السنة الثامنة عشرة وعمره 15 سنة، وهذا يناقض الروايات التاريخية التي توحي بأن الزواج كان حلا اقترحه الإمام علي بن أبي طالب للخليفة عمر بن الخطاب بأن لا تعامل بنات الملوك كغيرها من السبايا – الواصلة من الخمس – ببيعهن لصالح بيت المال.

 

رغم أن أحد مؤشرات اختلاق الرواية ما عرف عن الإمام علي من إيمانه وانتهاجه مبدأ المساواة.

 

قصة الزواج، مع ما أعطي لها من أهمية عند الشيعة والسنة تتلاشى أمام النقد العلمي والتاريخي.

 

ربما قد يكون تشيع الفرس ناجماً – كأحد العوامل – عن العلاقة الخاصة المفترضة بين سلمان الفارسي والإمام علي واعتبار سلمان من أوائل المتشيعين لعلي، ما أدى لاختلاق أحاديث تمجد سلمان بينها "سلمان منا آل البيت"، والموقع المهم لسلمان في الفكر الشيعي لدرجة أن بعض فرق الشيعة المتطرفة اعتبرته أحد أضلاع الصبغة الإلهية إلى جانب النبي والإمام علي.

 

وقد يكون أحد أسباب التشيع الفارسي ما نسب للإمام علي من عدم تفريق بين العرب والموالي مقارنة بمن سبقه من الخلفاء، وهذا الأمر طبعاً غير صائب على إطلاقه.

 

وقد يكون من عوامل التشيع الفارسي نقل الإمام علي عاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة حاضرة الشرق الفارسي في العهد الإسلامي.

 

غير أن من أهم الأسباب وراء التشيع الفارسي هو تفاعلات المقاومة الفارسية للإسلام سواء في عملية الفتح التي استغرقت سنوات أو في انتفاض الكثير من المدن الفارسية على الإسلام مراراً خصوصاً بعد استشهاد عمر بن الخطاب. ثم انتهاء الخلافة إلى الأمويين الذين اعتمدوا على العرب في الحكم وإدارة الدولة الإسلامية على حساب الموالي وبينهم الفرس الذين مالت نفوسهم لمعارضة الحكم الأموي لاسيما بعد أن كان الإمام علي وأبنائه رمزاً لمواجهة البيت الأموي، إلى جانب الخوارج، وبعد أن أخذ الصراع بُعدا إقليمياً، بين الشاميين والعراقيين فكان الأولون قاعدة الحكم الأموية وكان الآخرون قاعدة معارضة هذا الحكم، وكانت العراق حضارياً معظم التاريخ تعني فارس، وفارس تعني العراق.

 

اللافت في ميول الفرس للمعارضة أنهم مالوا للتشيع أكثر من ميلانهم للخوارج. مع أن المنطق السياسي يفترض انخراطهم في الحركة الخارجية لا التشيعية، كون الفكر السياسي الخارجي يساوي في استحقاق الخلافة بين القرشيين وغير القرشيين، والعرب وغير العرب. خلافاً لبذور الفكر الشيعي التي تختزل قرشية الفكر السني إلى حصر استحقاق الخلافة في البيت العلوي الفاطمي خصوصاً. وهو بواقع الحال بيت قرشي عربي، ومن ثم إذا كان الصراع مع الأمويين بالنسبة للموالي قد أخذ بُعداً قومياً – إذا جاز إسقاط التعبير على ذلك الوقت – فكان الفكر الأقرب للتمكين من نزع السيادة العربية هو الفكر الخارجي لا الشيعي.

 

وهنا يأتي السبب الجوهري في الميل الفارسي للتشيع ألا وهو تأثير المخزون الديني الثقافي الفارسي، الذي يمكن معه وصف الفكر الشيعي عموماً بأنه النسخة الفارسية للإسلام.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية