سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر، من ملف بعنوان (خرافة الولاية)، وفيما يلي الحلقة العشرون..

 

آية الولاية: المقصود قوله تعالى "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" المائدة 55. يقول التراث الشيعي أنها نزلت في علي. ويمكن طرح عديد ملاحظات:

 

يستند الشيعة إلى حديث مكذوب في عرف أهل الحديث وحسب معاييرهم، مفاده أن سائلاً دخل المسجد فأشار إليه علي بن أبي طالب وهو راكع في صلاة تطوع وأعطاه خاتمه فلقي النبي السائل عند دخوله المسجد وقال له هل أعطاك أحدهم شيئاً فقال له ذلك القائم.

 

الآية واضحة في أن ما أعطاه علي للسائل إذا سلمنا بالمقولة الشيعية هو زكاة، ومن المعلوم أن للزكاة كما للصلاة شروطاً في الأداء منها الحول، والنصاب، ولو أضفنا إلى الرواية مبالغات بعض الشيعة في القول أن ثمن الخاتم يساوي خراج الشام لعام، فلنا أن نتصور ثروة الإمام علي الذي اشتهر عنه الفقر والزهد.

 

وردت أحاديث بأسباب نزول أقربها للصحة أنها نزلت في مسلمين كانوا يهوداً شكوا للنبي مقاطعة يهود لهم وبعد منازل الصحابة في المدينة عن منازلهم.

 

يلجأ الشيعة لتأييد سبب النزول إلى الزاوية اللغوية ليعتبروا، الواو في "وهم راكعون" حالية، وليست ابتدائية أو استئنافية، مع أن الأقرب أنها ابتدائية، يقول تعالى: "اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ" يس 21، ويقول "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ" الأنعام 82.

 

المؤمن ولي المؤمن على العموم، فكل مؤمن ولي لكل مؤمن، يقول تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"، ويقول في المهاجرين والأنصار " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" الأنفال 72.

 

يبقى في موضوع الولاية ثلاث مسائل:

الأولى، أن الولاية الدينية في الأصل ولاية روحية، ولا مبرر نقلي أو عقلي لإسقاطها على الولاية السياسية. بل إن إسقاطها على المجال السياسي يتضمن اتهام النبي بأنه كان ساعياً للملك أو القيادة السياسية مما يشكك في الرسالة برمتها.

 

ولو سلمنا بكل ما أورده التراث الشيعي من تضافر الأدلة على امتداد ولاية النبي إلى علي، أو وراثة الأخير لها من الأول لكان المقصود بها الولاية الروحية، بدليل أن القرآن فصل بين الولايتين الروحية والسياسية في قصة اصطفاء طالوت ملكاً على بني إسرائيل مع وجود نبي لهم وقتها، إلى جانب إشارة القرآن للولاية الروحية في أصل مهام الأنبياء والرسل، يقول تعالى " وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ" الأنعام 48، ويقول "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" سبأ 28.

 

كذلك، فإن من بين أزيد من خمسة وعشرين نبياً أوردهم القرآن لم يكن بينهم أصحاب ولاية سياسية، أو ملوك إلا داوود وسليمان، ومن ثم فإثبات الولاية السياسية استثناء يقتضي دليلا قويا وواضحا وصريحا.

 

الثانية، لو سلمنا باستحقاق الإمام علي الولاية الدينية والسياسية بتضافر أدلة القرآن والسنة، فما المسوغ لتوريثها في نسله، وما تسويغ تضييق دائرة حق الوراثة في أولاد علي من فاطمة واستبعاد الآخرين، ثم ما المسوغ لاستبعاد أولاد الحسن لدى الإسماعيلية والشيعة الاثني عشرية أكبر طوائف الشيعة وأوفرها تراثاً، طبعاً تم اختلاق أحاديث لا تصمد للنقد.

 

الثالثة، إن سلمنا بورود إشارات بخلافة علي للنبي خلافة دينية وسياسية فقد وردت في غيره، أبرزهم أسامة بن زيد وأبو بكر بل لعلها في أبي بكر أوفر من غيره، كتأمير النبي إياه في حج السنة التاسعة للهجرة، وقوله "لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا"، وترك خوخة أبي بكر مفتوحة على المسجد دون غيرها، إضافة لاستخلاف النبي أبا بكر في الصلاة، أثناء مرض موته، وتجدر الإشارة إلى أن الخلة، والخوخة، والصلاة جاءت لدى مرض النبي وقبل وفاته مباشرة، وكأنها كانت بمثابة وصايا خفية باستخلاف أبي بكر.

 

ولا يخفى ما لإمامة الصلاة في عرف الإسلام من مدلول سياسي، حيث كان الخليفة والوالي هو في ذات الوقت الإمام في الصلاة. بل إن الشيعة تحديداً يشتقون للولاية السياسية وصفاً من مسمى إمامة الصلاة، فهي إمامة كبرى. والأكثر أن الشيعة الاثني عشرية خصوصاً في ظل عقيدة الانتظار للمهدي – المفترض – تركوا صلاة الجمعة لقرون طوال ومازال كثير منهم مضربين عنها حتى ظهور المهدي بولايته الدينية والسياسية.

 

وما نود في نهاية هذا القسم التأكيد عليه أن ما جاء فيه لا ينتقص من هذا أو ذاك من أعلام الإسلام، وإنما يهدف إلى تفكيك آلة الكهانة في بسط نفوذها على عقول الناس ومعتقداتهم، وتنصيب نفسها واسطة بين الله والإنسان، وتحوير الإسلام العالمي الطابع في دين عشائري وسلالي وشخصي ما يناقض طبيعته ومراميه.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية