سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر، من ملف بعنوان (خرافة الولاية)، وفيما يلي الحلقة الثامنة عشرة..

 

- الولاية: وتعد هذه عماد استدلالات الفكر الشيعي. ويجدر التنويه في البداية إلى أن الشيعة وليس المقصود هنا المتطرفين الذين يقولون بتحريف القرآن وإنقاصه بإسقاط الآيات الصريحة بولاية علي بن أبي طالب، وإنما الشيعة الأكثر اعتدالاً. فالأخيرون مقرّون بعدم وجود آية تصرح بذاتها بالولاية للإمام علي وأن ذلك لا يؤثر في المسألة قياساً على أن أهم الواجبات الدينية من صلاة وصيام وزكاة وحج أتت في القرآن مجملة وفصلتها السنة النبوية، وكذلك الأمر في ولاية الإمام علي أشار القرآن إليها عموماً وأفصحت عنها السنة النبوية.

 

- رداً على ذلك، فإن القياس هنا لا يستقيم بسبب أن تحديد الولاية بعلي لا يحتاج لتفاصيل ولن يستغرق الموضوع أكثر من كلمتين قرآنيتين، على خلاف الشعائر الدينية التي تتخللها كثير من التفاصيل بطبيعتها، وما المانع من التصريح باسم علي وقد أورد القرآن أسماء وكنى أشخاص كالصحابي الجليل زيد بن حارثة. كذلك الخلافة والولاية موضوع اجتماعي وسياسي غاية في الأهمية، وتحديدها يعني أنها ثابت حياتي للجماعة المسلمة لا متغير، والملاحظ أن القرآن الكريم عالج الموضوعات التي تتسم بالثبات معالجة تفصيلية في أغلب مكوناتها، كالتفصيلات الخاصة بالإرث، وبالمحرمات من النساء. ومن غير المعقول أن يتحدث القرآن عن تفاصيل ثابتة تتعلق بالحياة الاجتماعية كآداب الاستئذان ويترك قضية اجتماعية بحجم الخلافة والولاية السياسية. الحاصل أن القرآن عالج شأن الحكم السياسي كمتغير خاضع لظروف الزمان والمكان في إطار وضع أسسه المبدئية من حق الحاكم، وحق المحكوم، وطبيعة العلاقة، كما تمت الإشارة من قبل. وننتقل الآن إلى أدلة الفكر الشيعي الرئيسية بشأن ولاية علي، وهي أدلة تدور حول ما عُرف بحادثة غدير خم.

 

- حديث الولاية: وهو محور الاستدلالات والمقصود قوله عليه الصلاة والسلام "من كنت مولاه فعلي مولاه"، وفيه زيادات "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" وزيادة أخرى "وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار".

 

ويمكن إيراد الملاحظات التالية:

- الحديث الوارد في صحيح مسلم بغدير خم هو حديث الثقلين، وزيادة "من كنت مولاه فعلي مولاه" عند مجموعة من المحدثين أهمهم أحمد والترمذي والنسائي. وعدم ورود الحديث في البخاري أو مسلم رغم أهميتهما وتحريهما أكثر من غيرهما في نقل الحديث لا يعني بالضرورة عدم صحته وفي ذات الحين يؤثر في مدى قوته، وعبارة "من كنت مولاه فعلي مولاه" صححها أحمد والترمذي، وزيادة" اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" اختلف في صحتها فمن المحدثين من صححها، ومنهم من ضعفها مع عبارة "من كنت مولاه فعلي مولاه" أما زيادة "انصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار" فقد صنفوها من بين المختلق والمكذوب على النبي. هذا من حيث درجة صحة الحديث.

 

- يكتنف التناول الشيعي للحديث بعد يقينهم بصحته بل وتواتره عدة نقاط: أحدها أنه قيل في غدير خم بين مكة والمدينة، في الثامن عشر من ذي الحجة، بعد حجة الوداع، وأن غدير خم هو مكان افتراق الحجاج. وثانيها أن الحديث قيل بحضور مئة ألف من الصحابة، ثالثها أن توقف النبي وتكليفه مناداة حجاج كانوا قد شرعوا بالمغادرة يوحي بعظم الأمر وما سيقوله. بالنسبة لموقع غدير خم يظهر مما ورد من مختلف الروايات واضطراب تحديده بالضبط أنه لم يكن موقعاً مشهوراً، ولو كان مفترق طرق الحجاج لكان معروفاً، ويبدو من حساب الفترة الزمنية أنه أقرب للمدينة منه إلى مكة، حيث لم يُسجل بقاء النبي بعد إتمامه مناسك الحج في مكة، وتتراوح المسافة بين مكة والمدينة وفق عديد روايات بين خمس أيام وثمان. وبافتراض أن النبي غادر مكة في اليوم الرابع عشر، وبالتالي يكون قد قطع المسافة إلى غدير خم في أربع أيام على الأقل، وهي إذا ما أخذنا بمدة الثمان أيام تكون في المنتصف، وإذا أخذنا بأقل من الثمان أيام تكون غدير خم أقرب للمدينة. الغرض من محاولة تحديد الموقع الانتقال إلى النقطة الثانية المتصلة بأن الحاضرين غدير خم مئة ألف، لأن ليس من المعقول أن كل المشاركين في حجة الوداع البالغين مئة ألف حسب أعلى رقم ذُكر عنهم، كلهم من شمال مكة. إذ المعروف أن العام التاسع للهجرة وصف بأنه عام الوفود من مختلف القبائل العربية إلى النبي لإعلان إسلامها، ومن المنطقي أن المشاركة في حجة الوداع تكون من مختلف أرجاء الجزيرة العربية ومختلف قبائلها. وبالنظر إلى مواقع القبائل العربية وكثافتها السكانية لوجدنا أنها إلى جنوب مكة وشرقها أكثر من شمالها وغربها. وهذا ما يضع العدد في غدير خم محل شك كبير جداً ولعل أهمية العدد تكمن في مساحة شرعية الولاية بحسب الفكر الشيعي. أما بالنسبة لتوقف النبي فليس فيه شيء غريب إذ كانت العادة الاستراحة في السفر، وتداول الحديث بين النبي وصحابته.

 

- لعل الأكثر ملاءمة أن يطرح النبي أمرا بحجم الولاية والخلافة في حجة الوداع وليس قبلها أو بعدها لأسباب متصلة بقدسية

 

- المكان والشعيرة، وحضور أكبر عدد من المسلمين من مختلف القبائل والأماكن في الجزيرة العربية، ولأنه كان آخر لقاء للنبي بهذا القدر من أتباعه. قد يقال إن أمر الولاية والخلافة لا يشترط فيه العدد بقدر ما يُكتفى بالإفادة والأمر لكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار كأهل حل وعقد. قد يكون ذلك صحيحاً ووفقه لم يكن النبي يحتاج لمناداة من هموا بالرحيل بل كان بإمكانه الانتظار حتى الوصول إلى المدينة، فجل كبار صحابته يقطنون معه في المدينة.

 

- يعتري الحديث وفقاً للروايات التاريخية – التي هي أصل مستند الشيعة في المسألة- ملابسات من بينها أن النبي قال ما قال بعد شكوى وتقوّل في الإمام علي بشأن غنائم كلفه النبي بجلبها من اليمن. فكان قول النبي من باب المواساة لعلي ووقف التقولات عليه.

 

- إذا كان الحديث يشير إلى الخلافة فكان الأحرى بالنبي أخذ البيعة لعلي بما لا يدع مجالاً للالتباس لاسيما وقد قال الله عن نبيه "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" التوبة 128. وهل بعد حسم هذا الأمر المحوري من حرص.

 

- التراث الشيعي لا ينكر أن النبي في أواخر مرض وفاته طلب من صحابته الذين كانوا حوله أن يأتوه بقرطاس يكتب كتاباً لن يضلوا بعده. فإذا كان المقصود ولاية علي فما الحاجة لكتاب وقد حسم الأمر في غدير خم.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية