نعرف أكثر مما ينبغي، كيف يتصرف المصابون بنعرة السلالية الهاشمية في حال قوتهم وضعف الآخرين.. إنهم يجعلون من أنفسهم أنصاف آلهة، ويجعلون غيرهم من المواطنين في منزلة العبيد الذين خُلقوا فقط لخدمتهم والحياة والموت من أجلهم.
 
لكن؛ كيف يتصرف هؤلاء في حال ضعفهم وقوة الآخرين؟! وقبل ذلك: ماذا ينبغي على من يظن نفسه خُلق من طينة أفضل من الطينة التي خُلق منها الآخرون؟!ّ
 
لنستمع إلى هذه القصة الموجزة:
ذات مشكلة هاشمية هامشية. كتب الملك الظاهر "بيبرس"(ت: 659هـ). سلطان مصر والشام، إلى "أبو نمي محمد بن أبي سعد" أمير مكة:
"أمّا بعد: فإن الحسنة في نفسها حسنة، وهي في "بيت النبوة" أحسن، والسيئة في نفسها سيئة، وهي في "بيت النبوة" أوحش، وقد بلغنا عنك أيها السيد أنك آويت المجرم، واستحللت دم المُحْرِم، ومن يهن الله فما له من مكرم.. فإن لم تقف عند حدكْ. أغمدنا فيك سيف "جدّك". والسلام".
بهذه البلاغة والتكثيف والوضوح والصرامة.. حسم السلطان "بيبرس" مسألة "الهاشمية" باعتبارها نسباً يفرض على حامليه قيوداً وأعباءً أخلاقية وسلوكية، إضافية، وليست امتيازاً سياسياً، ولا حصانةً قانونية من أيّ نوع، وهي كذلك مبدئياً؛ "افتراض" أيّ فئة أنها تتمتع بأفضلية جينية- وهذا ما يرفضه العقل والعلم والدين والسياسة- يعني أن عليها أن تكون فاضلة أكثر من غيرها، كمسؤوليات والتزامات اجتماعية وأخلاقية وسياسية.. خاصة.
مثلاً: سيكون على الهاشمي، بما هو رجل "فائق" أن يكون- مقارنةً بغيره- أكثر حرصاً على تحرّي الفضيلة: العدل والإحسان والنزاهة والشرف ونشر قيم الحب والخير والسلام..
كذلك أن يكون أكثر تجنّباً لقيم الرذيلة: الفحشاء والمنكر والبغي والتهافت على الثروة والسلطة.. باعتباره الأقرب إلى الكمال الإلهي والأبعد عن النقص الحيواني!
 
حدوث العكس هو دليل بديهي على العكس؛ أي أن هذه السلالة أكثر انحطاطاً ودونية وتوحشاً.. وأقل إنسانية ورقياً وحضارية.. من غيرها من السلالات والأعراق البشرية.
 
بطبيعة الحال، لم يتحقق هذا التميّز لبني هاشم، لا إيجاباً ولا سلباً، بغض النظر عن النماذج الإيجابية أو السلبية في هذه الفئة، مثلها مثل الفئات البشرية الأخرى على امتداد الجغرافيا والتاريخ.
فقط "الهاشمية السياسية" هي المشكلة الوحيدة والخطيرة ذات العلاقة، وهي مسألة فكرية لا جينية، كعقيدة قائمة على خرافة الأفضلية السلالية، وبالتالي الأحقية السياسية في العالم الإسلامي!
 
لا جديد في القول إن التاريخ والحاضر الإسلامي مثخنان بالكثير من الأهوال التي تسببت بها هذه النظرية في السلطة والمعارضة، قبل وبعد عصر الملك العظيم الظاهر "بيبرس"، والأمير التافه "محمد بن أبي سعد".
كان هذا الأخير ذو الأصول القرشية الهاشمية، يعرف جيداً قدره وقدرته، أمام الأول ذي الأصول المملوكية، ووفق هذه المعرفة بالواقع رد على رسالته أعلاه كالتالي:
"من محمد بن أبي سعد إلى بيبرس سلطان مصر أما بعد:
فإن "المملوك" معترف بذنبه، تائب إلى ربه، فإن تأخذ فيدك الأقوى، وإن تعفُ فهو أقرب للتقوى، والسلام"!
هكذا يكون زعماء النعرة الهاشمية في لحظات الضعف والتقية؛ "مماليك" حتى للمماليك، في مقابل الغطرسة والتعالي العنصري والشعور النرجسي بالكمال والعصمة.. في أوقات القوة والتمكين!!
 
النعرة السلالية عاهة وخيمة، غريبة الأطوار، لها أعراض متناقضة للغاية، بحسب نوعية الشخص الآخر الذي يتعامل معه السلالي، في حالات القوة والضعف، وفي الحالين لا يكون السلالي شخصاً سوياً في أي حال على الإطلاق.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية