حزب الله سعى لعزل لبنان عربيا بعد أن خطط لعزله عن العالم لأسباب كثيرة في مقدمتها أنه رغب في أن يُترك لبنان له لينفرد به ومن ثم يقدمه فريسة إلى إيران.
 
غضب العرب لأنهم اكتشفوا أن لبنان صار خاضعا لحزب الله. بمعنى أنه صار ولاية إيرانية. في السياسة ما من توقيتات صحيحة دائما.
 
لم يكن حسن نصرالله يُخفي نواياه العدوانية تجاه المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى التي كانت حاضرة دائما في دورة الاقتصاد اللبناني.
 
يومها لم يكن نصرالله يجرؤ على الحديث بلسان لبنان. فهو أصغر من أن يمثل لبنان الذي عرفه العرب والذي لم يتم اختصاره بكلام عابر. كان نصرالله يمثل طرفا طائفيا ولطالما كان لبنان عالقا بين الطوائف باعتباره غنيمة تاريخية وساحة قتال مؤجل.
 
لقد سبق للبنانيين أن وصلوا إلى حافات الحرب الأهلية مرات عديدة ونجحوا في تأجيل الانزلاق إلى الهاوية حتى حين كان حزب الله طرفا في تلك النزاعات. كان للحزب خطوطه الحمراء التي لم يتجاوزها كما فعل عام 2008 يوم احتل بيروت. لم يكرر الحزب تلك الحماقة التي جردت المقاومة من شرعية سلاحها.
 
وحتى بعد أن سيطر حزب الله على الدولة من خلال أغلبيته الانتخابية فقد كان هناك نوع من التروي. غير أن تلك الهدنة انتهت يوم قرر الشعب اللبناني عام 2019 انتهاء صلاحية النظام الطائفي وضرورة البدء ببناء لبنان جديد. لبنان الذي لا يخضع للمحاصصة الطائفية.
 
كان على حزب الله أن يواجه حقيقة أنه لا يستطيع التعايش مع لبنان جديد، خال من توترات وتجاذبات طائفية تسمح له بإشهار مبدأ الدفاع عن المذهب. وهو الشعار الذي يستند من خلاله على إيران ويسمح له بإدخالها طرفا في الأزمات الداخلية.
 
ذلك المبدأ هو بمثابة إعلان حرب على الآخر المختلف وحرمانه من التمتع لا بحقه في التعبير عن اختلافه وحسب، بل وأيضا بحقه في الحياة.
 
ولأن حزب الله كان محرجا في مسألة إعلان الحرب على الداخل الذي ينادي بنزع سلاحه غير الشرعي فإنه فضّل أن يكون طرفا في استعراضات إقليمية، توهم أنها ستزيد من رصيده في الداخل.
 
لقد سعى الحزب لعزل لبنان عربيا بعد أن كان قد خطط لعزله عن العالم لأسباب كثيرة. في مقدمتها أنه كان يرغب في أن يُترك لبنان له لينفرد به وحيدا ومن ثم يقدمه فريسة جاهزة إلى إيران.
 
وإذا ما عدنا إلى معطيات المرحلة السابقة سنلاحظ أن الأطراف السياسية اللبنانية الأخرى لم تعمل عبر السنوات الماضية على إنشاء تحالفات تكون أساسا لجبهة قوية مناوئة لحزب الله بما يمنع الميزان من الميل لصالحه. كانت هناك عوامل مشتركة كثيرة في مقدمتها تقف المطالبة بنزع سلاح حزب الله الذي بات يهدد سلامة لبنان وأمنه غير أن أحدا لم يضع تلك العوامل ضمن برنامجه الحزبي فظلت الأحزاب والتنظيمات تتخذ مواقفها تعبيرا عن ردات فعل مؤقتة وتعمل منفردة. وهو ما يسّر للحزب أن يكون كتلة متماسكة تملك رؤية واضحة في مواجهة كيانات حزبية تتقلب أهواؤها بين حين وآخر.
 
وفي حالة لبنان لا يمكن النظر إلى ذلك الصراع غير المتكافئ على أساس كونه صراعا داخليا. كان لبنان دائما مفتوحا للآخرين في سلامهم وحربهم. لذلك وجدت السعودية في لحظة مّا أنه لا أحد يدافع عن مصالحها في بلد صار عبارة عن واجهة إيرانية. ذلك ما دفعها إلى الانسحاب المؤقت.
 
فهل أضعف ذلك الانسحاب القوى المناوئة لحزب الله؟
 
في ذلك السؤال نوع من المبالغة. ذلك لأن تلك القوى لم تنجح في صنع مظلة وطنية تجمعها. كان هناك خطأ لم تتجاوزه الطوائف بحيث ظلت السياسة بعيدة عن الواقع. فالواقع اللبناني هو تركيبة غرائبية لا يمكن توقع ما ينتج عنها.
 
ولكن إذا ما قرر السعوديون استعادة موقعهم في الاقتصاد اللبناني فأقل ما يمكن أن يفعله اللبنانيون أن يلتفتوا إلى جبهتهم الداخلية. ليس من حقهم أن يتخاذلوا في اقتناص فرصتهم في أن يكونوا موحدين أو أن يتقاعسوا في تشكيل جبهة موحدة ضد حزب الله. فالمال وحده لا يكفي.
 
فالأزمة التي عصفت بلبنان لا تنحصر في الجانب المالي وحده، بل هي أزمة تخترق بنية النظام لتصل إلى جوهره الطائفي. ولا يشكل إنهاء الأزمة عن طريق معالجة الجانب المالي إلا نوعا من الحل الترقيعي الذي سرعان ما ينتهي تأثيره المخدر ليجد الشعب اللبناني نفسه وهو يخوض غمار أزمة قد تكون أكثر عصفا بكيانه الوطني. 
لن يكون إنهاء النظام الطائفي في لبنان بالأمر اليسير غير أن التفكير فيه هدف وطني مشترك سيساهم حتما في الاقتراب منه.
 
* كاتب عراقي - صحيفة العرب

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية