عدت لتوي من مهرجان بندر المخا، تعمدت التنقل من مكان لآخر، والمرور بين الناس في حفلهم الكرنفالي، وكنت أجدني أتنقل بين اليمن كلها، كل اليمن، فكل المدن هناك في الكورنيش، وكل الألوان هناك، وهناك اللهجات كلها، من أعلى البلاد ومن أسفل، ومن الوسط، شمال وجنوب وشرق وغرب، لكنات وملامح كثيرة امتزجت بهوى واحد وبتصفيقة واحدة، وهنا الإعجاز الذي أحبه، فأنا تأسرني التفاصيل الصغيرة والتفاصيل الضائعة في سديم الضجيج، فلا تهمني الأغنية وتهمني محادثة طرية بين شابين أحدهما من صنعاء وثانيهم من تعز، وأبداً لا تشدني الرقصات بل شدني ابن المخا من الفريق التنظيمي، الذي بكل جد يجتهد لإيجاد صورة جميلة للمهرجان، ولا تهمني أنا المسرحية بل جذبتني تشكيلة الأطفال في المسرحية بلهجاتهم المختلفة، أحدهم من أعلى البلاد، طفل له قدرة التحدث المسرحي، وثانيهم وثالثهم من الساحل، وشكلوا مزيجاً خالصاً من التوحد الوطني في اللا وعي، واللا شعور هو الشعور الحقيقي، فهؤلاء الأطفال جمعتهم معركة مقدسة، جمعت الآباء، فتوحد الأبناء، وجلست كثيراً من الوقت مع شخصين هما في المقاومة الوطنية وثالثهم (عبدالكافي القاضي) فالأول وهو (فؤاد البزاز) من ريمة ومن تعز الثاني واسمه (إياد اللبيني) من صبر تعز، وأما القاضي فمن المخا، وتحدثنا عن الأشياء كلها، ولقاني صراف إحدى الصرافات في المخا ويفسح المكان، افسحه، ووجدت قبالتي (وسيم الجبري) من أبناء جبل حبشي يسكن ولديه محل في المخا القديمة وأعرفه ولي منه وقت كثير، فهؤلاء كلهم من كل بلاد جمعهم الكرنفال، ويهتفون لليمن خلف زهرات المخا، ومع أشبال الساحل، وصحبة فنان تهامي جميل..
 
شاهدت الطفلة التي ربحت تلفون (ردمي 9) وهبطت جرياً من المنصة، إلى حيث أمها، وسألت نفسي وتكلمت مع روحي بصمت، في عمرها هذه الطفلة كان حلمنا (لعبة أتاري) ويغشى على قلوبنا لحصولنا عليها ماذا لو أنني فزت مثلها بهذا العمر؟ أطفال هذه الأيام محظوظون، وبشدة، فنحن عشنا طفولتنا ولا نحلم بهذه الجوائز..
 
ليس مجرد مهرجان، هو عندي خلق مجتمع جديد، مجتمع بهدى القائد، طارق صالح، وإعجازه إنه نجح في خلق مجتمع في وقت وهذه الحرب قد مزقت مجتمعاً، يعيد ترتيب النسيج وقد تفركش النسيج والإعجاز، وهنا أكون قد كررت كلمة الإعجاز ثلاث مرات أن تلئم ما فرقته الحرب والجغرافيا، وسأكرر امتناني لهذه اللحظات فكنت ألحظ الصورة الغائبة عن الجميع، قبالتنا المصورون، فيهم التهامي والتعزي والصنعائي والريمي، حتى في التصوير هناك تشكيلة وطنية، وفي حراس المهرجان، المخاوي والتهامي والصنعاني والذماري والإبي..
 
أما القلب النابض للمهرجان فهم أبناء المخا، شباب وأطفال، ومكتب الثقافة، ومدارس المدينة، دون نسيان المكتب السياسي الذي بدعمه هو أقيم هذا المهرجان، وهو ليس الأول، وبحضور أمينه العام ورؤساء دوائر وعلى لوحة المهرجان هناك المجلس الرئاسي، السبعة، فهم هذه البلاد وعليهم تعقد الآمال، ولسان حال الناس كلهم: نريد منكم عودة البلاد.
 
وأما البحر فهو يسار الناس، يحميهم ويمنحهم الشعور الباذخ، براً وبحراً، جبلاً وساحل، ونهفات السماء بزرقتها المبثوثة في البحر تتلون أرواح الناس في البندر، وتؤكد معهم على واحدية الحياة والمصير.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية