ترك لنا السلف حكاية تقول: إن أبناء فلاح فقير ورثوا عن أبيهم بقرة، فكانوا يشربون من حليبها ولبنها، ويستفيدون من سمنها، وفي كل عام يبيعون العجل ويتقاسمون الأموال، وهكذا عاشوا وكبروا مستوري الحال وأمورهم جيدة.
 
ومرت الأيام والسنون، فدب الخلاف بينهم بسب جشع وطمع بعضهم، وإصرارهم على أخذ نصيب إخوانهم وحرمانهم من أي حق لهم، واحتكار البقرة لهم، فتفجر صراع بين الأخوة وكل واحد يدعي أنه الأحق.
 
كان بين هؤلاء الأخوة شخص عاقل، وجد أن الخطر يحدق بالكل، فجمع كل إخوته، وقال لهم: ليس معنا في هذه الدنيا إلا هذه البقرة ورثناها عن والدنا.. فهي تمنحنا... وتمنحنا...، وعدد أفضالها حتى مخلفاتها يستفاد منها في تسميد الأرض، واليوم ليس أمامكم إلا أن تتركوا خلافاتكم وتحافظوا على بقرتنا، أو نذبحها وكل واحد يأخذ نصيبه، وستخسرون كل شيء، وستواجهون المجهول الملعون.
هذه الحكاية تشبه نفس كارثية الصراع المحتدم بين اليمنيين، ومأساة اليمن البلد المهدد بالذبح والتمزق، فلقد أحرق الصراع ودمر كل شيء، جف الضرع، وهلك الحرث، وفقد الشعب أبسط مقومات الحياة، وصار يواجه مجاعة لم تشهد البشرية مثيلا لها في التاريخ.
 
كل الذين أطلقوا الوعود العسلية، ورفعوا الشعارات البراقة، وأوهموا الشارع برغد الحياة عقب إسقاط مؤسسات الفساد ورموزه كما كانوا يزعمون، نجدهم نكثوا بكل العهود، واكتفوا بإسقاط الدولة وذبحوها وتقاسموا إيراداتها، وتحولت كل الوعود إلى جحيم على الشعب وسنين من العذاب والذل والامتهان من قبل أرذل القوم.
 
اليوم لم يعد بمقدور أحد نزع السكين من يد الجزار، ولم يعد بالإمكان إقناعه بأن ادعاءاته كاذبة، إلا إذا نزل جبريل أو بعث الحسين من قبور كربلاء وهذا من المستحيلات، لأننا لم نعد نعيش زمن المعجزات والنبوات.
 
أحمق وبيده سلاح، ويرفض الحوار، ولا يعترف بأي حق للآخرين، وزاد بأن اخترع له جَداً ودبج له ألقابا وجمع كل مجرمي الأرض وخريجي السجون، كما فعل الفرس من قبل، ويريد أن يتملك البلاد ويسلب الشعب من حقه باسم الولاية المزعومة.
 
والكارثة الحقيقية أن بقية الإخوة بدلا من أن يراجعوا أنفسهم، ويتوحدوا ويواجهوا الطاغية ويتخلصوا من عدوانيته وحروبه القذرة وخطرها عليهم، نجدهم يتصارعون فيما بينهم، ويخوضون معارك يومية بائسة، وكل واحد يريد أن يبتلع الآخر، كما يتجاهلون الدعوات الصادقة المحذرة لهم من تبعات صراعاتهم العبثية، بل إن كل نصائح الناصحين بمواجهة الطاغية الأكبر لا تجد آذانا مصغية للأسف، وما يزالون يرفضون توحيد الصف، أو توجيه بنادقهم نحو قلب الغول الذي تقطر مخالبه دماء من أفئدة وفلذات أكبادهم.
   
المشكلة تتفاقم أكثر وكل يوم يزدادون ضعفا وهونا، أنهكتهم الخلافات، أضاعوا البوصلة والطريق، بل يكادون يضيعون وطنا هو أمانة في أعناقهم، وعليهم أن ينتزعوه من قبضة الكهنوت وتسليمه لأجيال اليمن، كما تسلموه، وأن يتداركوه كما تدارك أولاد الفلاح البقرة التي ورثوها عن أبيهم.
 
إننا نخشى أن يجرنا إفلاس وفشل النخب السياسية إلى فقدان الوطن، وأن يتمكن الحوثي من استعباد الشعب اليمني.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية