وكالة 2 ديسمبر الإخبارية

الثورة مستمرة...

صباح اليوم وأثناء تناولي وجبة الإفطار في أحد المقاصف في مدينة تعز تقدم أحدهم نحوي طالبا مشاركتي الطعام. أومأت له بحركة تدل على عدم رغبتي في ذلك، والسبب أن ما بحوزتي من نقود تكفي بالكاد لتغطية نفقة تناولي لسندويتش واحد مع عصير الليمون.

 

اتجه الرجل نحو الباب للخروج، وقلبي يكاد ينفطر عليه من الألم، فخلال ذلك عصفت بذهني مئات الأحداث التي سببتها حرب المليشيات على المدنيين ودفعت الكثير منهم بقوة نحو حافة الفقر، والكثير منهم أرغموا على التسول لإشباع بطونهم وبطون أسرهم الجائعة كحال ذلك الرجل الذي لم يكن التسول مهنته يوما ما على الإطلاق. 

 

سأكون منصفا لو اعترفت أن الحالة المادية الصعبة التي أوجدتها مليشيات الحوثي ترغم الكثير من الناس على أن يصبحوا بخلاء، وهي عادة سيئة لم تكن متجذرة في صفاتهم مثلما هو التسول الذي لم يكن من عادة ذلك الرجل الذي علمت بعد مضيه أنه عاطل لم يجد عملاً منذ فترة.

 

ولكي يؤمّن له ولأسرته غذاء يبقيه على قيد الحياة يلجأ إلى ذلك الفعل مكرها بعد أن سدت في وجهه كل السبل.

 

فالحرب العبثية التي تشنها مليشيا الحوثي والمستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات دفعت الكثير من المدنيين الذين كانوا يحتلون مناصب قيادية رفيعة في المكاتب الإدارية للدولة والبعض الآخر من الطبقات الاجتماعية الأخرى إلى الفقر، وتنقل المواقع الإخبارية يوميا قصصا صحفية تتحدث عن أشخاص دفعتهم الفاقة إلى مزاولة أنشطة غير تلك التي كانوا يمارسونها.

 

ففي أحدث فصول هذه القصص أورد موقع إلكتروني قصة مهندس رفيع في صنعاء أجبره الفقر الذي يعيشه بسبب الوضع العام الذي أوجدته مليشيات الحوثي على أن يكون بائعاً على أحد الأرصفة.

 

يفترش المهندس الذي أتحفظ عن ذكر اسمه بعض الأشياء البسيطة ويستمر في البيع يومياً من أجل أن يوفر له ولأسرته ما يبقيهم على قيد الحياة.

 

قصة أخرى لدكتور أكاديمي في جامعة ذمار التي تحمل نفس اسم المدينة الواقعة جنوب غرب صنعاء وتخضع أيضا لسلطة مليشيا الحوثي الكهنوتية، حيث يبدأ نهاره بالعمل على عربة صغيرة يدفعها بيديه ويبيع على ظهرها الخضروات.

 

وتحفل المواقع الإخبارية بعشرات القصص عن أشخاص دفعوا ثمنا باهظا وهم يلهثون وراء توفير لقمة العيش بعد أن أغلقت مليشيات الموت كل السبل أمامهم. 

 

وتتحدث منظمات الإغاثة عن 8 ملايين مواطن أصبحوا ضمن من يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة وهو رقما يبدو متواضعا نظر للكارثة الغذائية التي تسببت بها مليشيا الإجرام وبات يعاني منها قطاع واسع من المواطنين.

 

لذا وجدا العديد منهم الأرياف مكانا آمنا وبعيدا عن قذائف المليشيا الانقلابية وقناصتها، فهربوا إليها أملاً في النجاة، فضلاً عن عدم قدرتهم على دفع إيجارات الشقق التي يسكنونها بعد أن صادرت مليشيا الحوثي رواتبهم، لدرجة أن البعض عاد إلى منزله الريفي بعد مضي أكثر من عشرين عاما على مغادرته له ومكوثه في المدينة.

 

هذه البلدات والقرى تبقى بعيده بشكل كبير عن منظمات الإغاثة التي تتخوف من عدم توافر الأمن فيها ما قد يعرض طواقمها الإغاثية للقتل أو الاختطاف، لذا تحجم عن زيارتها وتترك سكانها يصارعون بمفردهم من أجل البقاء على قيد الحياة.

 

أما سكان المدن فيحرمون من استلام المساعدات الغذائية بشكل منتظم لأن مليشيات الحوثي تقوم ببيعها لصالح المجهود الحربي.

 

تبقى مأسي الحرب عديدة، ووحدهم المدنيين من يدفع ثمن تلك المآسي وبعضها تظل طي الكتمان ولا يعلم أحد بفصولها رغم قسوتها وجوانبها الإنسانية الغارقة بالحزن.