خطوة إنسانية إيجابية مثلها أول تبادل للأسرى بين الحكومة والحوثيين، بقدر وقعها السعيد على أهاليهم بقدر ما أوحت بحزن جديد خيم على اليمنيين نجم عن حالة المحتجزين لدى المليشيا الحوثية وتوصيفهم، كشف للمرة الألف عن طبيعة أخلاق المسيرة الشيطانية وأكد أن هذه الجماعة خارج السياق الإنساني والديني والأخلاقي والعرفي اليمني. وفي هذا الملف الإنساني تتبادر إلى الذهن ثلاث ملاحظات سبق حديث ناشطين وحقوقيين عنها، وبالتحديد عن التعاطي الحوثي مع الملف.
 
الأولى: أن التبادل الأخير لنحو 1081 أسيرا من الطرفين هو نتاج اتفاق جزئي من اتفاق ستوكهولم المتضمن التعامل مع ملف الأسرى على أنه ملف إنساني بدرجة رئيسية ويجب أن يتم التبادل في أسرع وقت وعلى قاعدة "الكل مقابل الكل".
 
هذا الملف البسيط، لو تم التعاطي الإنساني معه، تحول إلى مسألة سياسية شائكة بفعل المماطلة والاشتراطات الحوثية التي تظهر بين فترة وأخرى، ما ترتب عليه مراوحة الملف في مكانه طيلة ما يقارب السنتين منذ إبرام اتفاق ستوكهولم، تخللتها جولات مفاوضات في الأردن وسويسرا تصطدم بمعوقات حوثية انتهت بتجزئة الاتفاق ليظل أسرى ومختطفون معينون ورقة مساومة سياسية وعسكرية حوثية.
 
الثانية: أن معظم الأسرى الحوثيين عند الجانب الحكومي هم أسرى فعليون ضبطوا في جبهات القتال، في حين معظم الأسرى الحكوميين لدى المليشيا الموالية لإيران هم في حقيقة توصيفهم مختطفون ومخفيون قسرا أخذتهم المليشيا من منازلهم أو مقار أعمالهم أو من الشوارع، وليسوا مقاتلين،  فالطبيعة المليشاوية للحوثيين لا تتورع عن ضرب القيم الإنسانية المتفق عليها عالميا عرض الحائط، كما أنها لا تضع اعتبارا لمطالب المنظمات الحقوقية والإنسانية ما يؤكد الطابع اللا أخلاقي لها وانحدارها إلى تقاليد الأزمان البدائية المتوحشة.
 
الحكومة من جهتها، رغم قصورها في كثير من الملفات، تعاملت إنسانيا باستجابتها للمطالبات الحقوقية وإدراجها عدد كبير من المختطفين في قوائم الأسرى، على أن هذا السلوك الحكومي مع إيجابيته أثار مخاوف ناشطين بأن تتزايد العمليات الحوثية في اختطاف المدنيين والمساومة بهم ضمن ملف الأسرى.
 
أما الملاحظة الثالثة، فتتعلق بالحالة الصحية للأسرى والمختطفين المحسوبين على الطرف الحكومي، حيث أظهرت صور ملتقطة أثناء وصولهم إلى مطار سيئون اتكاء الكثير منهم على عكازات، غير توارد المعلومات عن الوضع النفسي السيء لبعضهم لتتأكد صحة التقارير عن ممارسة المليشيا أساليب تعذيب وحشية بحق المحتجزين في سجونها، لحد أن قرابة مئتين على الأقل وثقت وفاتهم في السجون الحوثية نتيجة تعرضهم لأساليب تعذيب بشعة.
 
ذلك بشأن اليمنيين الذين تتبجح المليشيا بالدفاع عن حريتهم وعزتهم وكرامتهم، فماطلت وراوغت وعذبت وقتلت، لكنها بالنسبة لمحتجزين يحملون الجنسية الأمريكية، سارعت بإطلاق رهينتين دون مقابل حسبما صرح مسؤولون أمريكيون، وهم صادقون باعتبار أن المئتي عالق حوثي في سلطنة عمان ليسوا أسرى وكانوا يتمتعون بكامل حريتهم وبدلات سفرهم في المدة التي قضوها في السلطنة، سوى أنه كان بالاستطاعة تهريبهم إلى الداخل اليمني عبر شبكات تهريب الممنوعات والسلاح التي تديرها المليشيا بإشراف الحرس الثوري الإيراني.
 
استغل الأمريكيون السذاجة الحوثية ورغبتها في متنفس أمريكي مباشر للإفراج عن الرهينتين بمقابل "صِفر" وفقا للتصريحات الأمريكية، ما زاد في إظهار المليشيا الحوثية على أنها ليست أكثر من عصابة انتهازية تبطن غير ما تفصح من شعارات وخطابات تخدع بها قطعانها، وتسعى لنيل بعض النظرات الأمريكية الصريحة ولو أدى هذا إلى افتضاح عورتها، خلال يومين فقط، في كيفية تعاطيها مع المحتجزين الأمريكيين مقارنة بالمختطفين والأسرى اليمنيين.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية