الإرهاب الإيراني والمصالح الدولية.. المنافع المشتركة!
تحدث المجتمع الدولي كثيراً عن مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، ولكنه صمت عن الإرهاب الإيراني المُعلن وتجاهل وجوده. أعلن المجتمع الدولي الحرب على عدة دول إسلامية كأفغانستان بدعوى إيوائها للعناصر والتنظيمات والجماعات الإرهابية كتنظيم القاعدة وعناصره الإرهابية، وصمت عن إيران التي تؤوي عناصر التنظيمات والجماعات الإرهابية المنتمين لتنظيم القاعدة وتدعم الأحزاب الطائفية والميليشيات المسلحة في العراق وسورية ولبنان واليمن. أنشأ المجتمع الدولي تحالفات دولية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسورية ووجه له الضربات العسكرية الجوية، وصمت عن الأحزاب الطائفية والعنصرية والميليشيات المسلحة الإيرانية التي تمارس شتى أنواع الإرهاب ضد أبناء العراق وسورية ولبنان واليمن. اتهم المجتمع الدولي دولاً إسلامية بالإرهاب فقط عندما وجدوا عناصر إرهابية تحمل جنسيات تلك الدول الإسلامية؛ وصمتوا عن إيران التي تعلن رسمياً أنها تدعم وترعى وتمول العناصر المتطرفة والجماعات الطائفية والتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة وتزرع الخلايا التجسسية في داخل الدول العربية وخارجها. قام الكيان الصهيوني بضرب مفاعل العراق النووي في يونيو 1981م واحتلته الولايات المتحدة في مارس 2003م بدعوى امتلاكه للسلاح النووي؛ وصمت المجتمع الدولي عن إيران التي تملك برنامجاً نووياً متقدماً طورته على مدى عقود سرياً وعلنياً، ولديها عدد من المفاعلات النووية المتقدمة القادرة على تخصيب اليورانيوم بدرجات عالية. فهل هذه متناقضات سياسية وقع بها المجتمع الدولي، أم أن هناك منافع مشتركة تجعل تبيح إرهاباً وتحرم آخر؟
هذا الإرهاب الإيراني المُستمر مُنذ استيلاء الخُميني على السلطة قبل أربعة عقود استطاع تحقيق أكبر قدر من المنافع السياسية والاستراتيجية والأمنية على حساب أمن واستقرار المنطقة والأقليم، وفي نفس الوقت استطاع إعطاء إيران الشرعية الدولية والقبول الدولي لجميع سياساتها من خلال توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 في يوليو 2015م. هذا الاتفاق النووي الذي لم تشارك به دول الجوار الإيراني، ولم تعلم ما هي مضامينه أو بنوده؛ استطاع من جديد تحييد المجتمع الدولي عن السياسات الإيرانية المُتطرفة، وتمكن من صَرف وجهة نظر الدول الكُبرى نحو وجهات أخرى تتحقق فيها منافع مشتركة للجانبين.
هذه المنافع المشتركة يبدو أنها أثرت أثراً كبيراً في مواقف بعض الدول الرئيسية التي أصبحت لا ترى في السياسات الإيرانية تطرفاً، ولا ترى في الممارسات الإيرانية إرهاباً. مواقف دولية تدعونا لمراجعة سياساتها خلال الأربعة عقود، وتتطلب منا التدارس والتفكر حول مستقبل السياسات والتعاملات في المستقبل. مواقف سياسية بدأت من أوروبا التي عارضت بشكل مباشر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو 2018م وإعلان الرئيس ترمب إعادة فرض العقوبات الأميركية المعمول بها قبل توقيع الاتفاق النووي. فبحسب BBC بالعربية في 31 يناير 2019م: "تعتزم بريطانيا وألمانيا وفرنسا تدشين آلية مالية خاصة تسمح للاتحاد الأوروبي بإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني عن طريق الالتفاف على منظومة العقوبات الأميركية.. ويشار إلى هذه الآلية الأوروبية باسم انستكس، وتعني أداة دعم الأنشطة التجارية، ويتوقع أن تحصل على موافقة رسمية من دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين." وبعد الموقف الأوربي جاء الموقف الروسي عن طريق نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف الذي قال، بحسب RT بالعربية في 4 مايو 2019م: "لن تؤدي أي تهديدات بفرض عقوبات إلى وقف تعاوننا المشروع وتبادل المنفعة مع إيران." ثم جاء الموقف الصيني عن طريق وزير الخارجية وعضو مجلس الدولة الصيني وانغ يي الذي قال، بحسب SPUTNIK بالعربية في 17 مايو 2019م: "تعارض الصين بحزم تطبيق الولايات المتحدة عقوبات أحادية.. وتتفهم الموقف الحالي ومخاوف الجانب الإيراني وتدعم الجانب الإيراني في دفاعه المشروع عن حقوقه ومصالحه". وأضاف أن "الصين تقدر تطبيق إيران للاتفاق النووي بالكامل ونيتها الالتزام به". وبعد هذه المواقف المتتابعة، يأتي تصريح الرئيس الروسي بوتين الذي قال، بحسب CNN بالعربية في 21 يونيو 2019م، إنه: "من الصعب حساب عواقب استخدام القوة العسكرية ضد إيران، وقال إن هذا سيكون كارثة بالنسبة للمنطقة على الأقل، لأنها ستؤدي إلى تصاعد العنف، وربما زيادة في عدد اللاجئين من المنطقة". وأضاف أن إيران "تنفذ بشكل كامل الاتفاقات مع وكالة الطاقة الذرية ولا تنتهك أي شيء يتعلق بالأمر، ونحن نعتبر أن تطبيق أي عقوبات هنا غير مبرر".
وفي الختام من الأهمية القول؛ إن صمت المجتمع الدولي عن الإرهاب الإيراني لن يجلب المنافع ولن يحقق المصالح ولن تسلم من تبعاته السلبية الدول الصامتة عن سياساته المتطرفة والمتغافلة عن ممارساته الإرهابية، لأنه نظام تأسس على أيديولوجية متطرفة وأفكار إرهابية تسعى لتصدير الفوضى وتفتيت المجتمعات المسالمة وزعزعة أمن واستقرار العالم. هكذا جاء في دستورهم، وفي أفكار وتوجيهات مرشدهم وولي فقههم، وهكذا كانت وما زالت ممارساتهم. فهل تستفيق الدول الرئيسة لخطر النظام الإيراني المتطرف قبل أن يضرب مجتمعاتهم ويزعزع أمنهم واستقرارهم، أم أن المصالح وتبادل المنافع أعمت بصائرهم وأبصارهم؟
* نقلا عن صحيفة الرياض السعودية