خرافة الولاية.. خاتمة عن الخرافة (الحلقة 25 - الأخيرة)
سلسلة حلقات تنشرها وكالة 2 ديسمبر، من ملف بعنوان (خرافة الولاية)، وفيما يلي الحلقة الخامسة والعشرون..
ونختتم هذا القسم بنقل بعض من أقوال المفكر الشيعي الإيراني علي شريعتي من كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي".
يشير إلى أن النظام الصفوي استحدث منصباً وزارياً جديداً باسم وزير الشعائر الحسينية (القرنين السادس عشر والسابع عشر). وذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وأجرى هناك تحقيقاً حول المراسيم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران، ومن تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى.
كما تضمنت مراسم العزاء المسيحي تمثيل حياة شهداء الحركة المسيحية الأوائل وإظهار مظلوميتهم وطريقة قتلهم بواسطة حكام الجور والشرك وقياصرة الروم، وكذلك التطرق لسيرة الحواريين ومأساة مريم وبيان فضائلها وكراماتها ومعاناتها، والأهم من ذلك تجسيد مأساة عيسى المسيح ........ المصائب، وهو مصطلح يطلق على مجموع هذه المراسيم التي اقتبسها الصفويون وأدخلوها إلى التاريخ الشيعي لتصبح جزءاً من الهوية الشيعية وتستخدم في تجسيد المصائب التي تعرض لها أهل البيت والزهراء (ع) والإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه، ومن الزرادشتية "هالة النور التي توضع على رأس صور الأئمة وأهل البيت هي مظهر مقتبس أيضاً وربما امتدت جذوره إلى طقوس موروثة عن قصص ايزد ويزدان وغيرها من المعتقدات الزرادشتية في إيران القديمة".
إن تشكل المنظومة الأيديولوجية الشيعية تولدت في بداياتها من إحساس بالظلم والتهميش، ولكنها بدلا من تطوير صيغ مواجهة أيديولوجية في إطار النص الإسلامي، لجأت إلى تصنيع أدواتها الفكرية والبشرية من خارج المربع الإسلامي الأصيل، وبالاعتماد على المادة الفكرية والبشرية المرجحة في مكونها للشخصية الفارسية التي آثرت امتصاص العقلية العربية الظاهرية والمباشرة للشخصية العربية –مادة الإسلام الأولى- في الخلفية الحضارية والثقافية للشخصية الفارسية. ساعدها في ذلك أن الشخصية السامية التي يشكل العرب قطاعا واسعا منها مرت بحالة غيبوبة طويلة- عدا عرب اليمن واليهود إلى حد ما- جاءت بعد السقوط البابلي على يد القوة الفارسية الفتية في القرن السادس قبل الميلاد، وعلى مدى يفوق الأحد عشر قرنا فقد العرب حسهم الحضاري ما جعل شخصيتهم سهلة الاختراق من قبل الثقافة الفارسية قبل أن تتبلور شخصية عربية جديدة بفعل الدين الجديد(الإسلام). فعوض الفرس خسارتهم في مواجهة الإسلام بتسريب ثقافتهم وإعادة موضعتها داخل الدائرة الإسلامية من خلال توفير أدوات بناء المنظومة الشيعية أولا، وتمكنت بالفعل من التشكل الخاص داخل المجال الإسلامي عبر النجاح في توليد صيغة إسلامية فارسية تتمثل في التشيع. وثانيا استطاعت اختراق ما يمكن وصفه بالمجال السني عبر تسريب النزعات الصوفية المتطرفة، وعبر استغلال عدم الوعي السني بالبنية الشيعية المتشكلة خلال أكثر من ثلاثة قرون هجرية، ولهذا تبدو كثير من مقولات النزعة الشيعية مشتتة ومتداولة في الوسط التراثي السني كتمييز علي بن أبي طالب بتوصيف الإمام دون غيره من الخلفاء، وكذا تداخل السرد التاريخي المؤدلج للعديد من الوقائع، وغير ذلك كثير.
في الختام من المناسب التنويه إلى أن ما جاء في هذه التناولة عبر كل سطورها السابقة لم يكن أكثر من مشروع مقالة، تطورت وتوسعت تلقائيا، لكنها لم تصل إلى مستوى البحث العلمي الصارم في التزاماته الشكلية والإجرائية كالتوثيق الدقيق للمصادر حسب الأعراف التأليفية المتبعة.
وفي كل الأحوال فإن تناولة الكاتب محاولة للإسهام في إلقاء حجر وسط مياه خرافة تجاوزت النقاش الفكري والتاريخي الخاص إلى دائرة الجدل العام، وصارت ذات سطوة في الكثير من أحداث المنطقة العربية والإسلامية.