من أخطر كوابيس الجبايات الحوثية، وأكثرها فتكًا وقسوة باليمنيين كابوس ذكرى المولد النبوي، حيث تحولت من ذكرى دينية روحانية إلى حصاد سنوي فتاك، وموسم نهب شامل مبرر بالخوف من البطش والاتهام بالكفر ومخالفة شعائر الدين والعقيدة حسب تسويق السلالة لهذا التصور وبسطه في وعي وسلوك العامة.

فمنذ حلول كل عام هجري جديد يتأهب الحوثيون لهذا الموعد، ويوسعون نطاقه جغرافيًا واجتماعيًا، والعمل على إدراج فئات جديدة ومستهدفين جدد، وقوائم جديدة من مختلف الأصناف الاجتماعية حسب مهنهم ومواردهم وأعمارهم، لتصبح هذه الجائحة شمولية في تطبيقها على 90% من المجتمع ما دون الرضع والأجنة في بطون الأمهات وبالكاد أطفال المدارس.

هكذا تغدو هذه الذكرى مريرة يستبق السلاليون يومها بشهر وأكثر لانطلاق عاصفتها، وتفشي جامعيها من مشرفين ومسؤولين وشخصيات اجتماعية ومدنية ووحدات عسكرية ومكاتب الدولة، تنطلق دولة العصابة بكل مكوناتها للانقضاض على الشعب المنهك، واختلاس جلده وشحمه، في كل محافظة ومديرية وقرية، والتفتيش عن كل عاجز ومعسر وإجباره على دفع حق المولد، وانتزاعه منه عنوة مهما كانت ظروفه لا تفصح عن امتلاكه حتى قوت يومه، لكن عصابة النهب والاستلاب لا تعجز في امتصاص دمه أو تشريده أو انتزاع حتى ملابسه لتطهره من ذنوبه، وتنعم عليه بمحبة الرسول وطاعة أهل بيته اللصوص بفعلها هذا.

ما يميز هذا المسمى الجباياتي أنه يقف في كفة وباقي الجبايات والإتاوات في كفة، فالمبالغ التي تفرض فيه كبيرة جدًا ربما _لا تصدق في جورها_ وتشمل كل صاحب مال أو مزارع أو عامل أو صاحب مهنة، ولا يهمل مكان أو قرية نائية منها، كذلك لا تهاون ولا تساهل في تحصيله، كأنه استفتاء ديني قسري، واختبار ولاء ومقياس اكتشاف ممتلكات كل فرد، والتجسس على مقدار ثروته مهما كانت ضحلة.

أرقام قياسية يتم نهبها باسم المولد، حصيلة سنوية دسمة، تنقلهم كل عام من مرتبة إلى مرتبة أعلى في الثراء والفحش المادي؛ بينما يهبط الشعب درجة إلى حافة الفقر والإفلاس، حيث يتم اقتصاص شطر على كل عام من ماله وغذائه واستقراره وتكدير معيشته، ولذا تظهر المليشيات في الفترة الزمنية المخصصة للمولد أقبح ما عندها من نهب وسلب وبطش وفتك وهمجية وإهدار للكرامة ورعب وإرهاب كأنها تجسد وتترجم وتعيد إحياء السلوك الوحشي التاريخي للأئمة الذي مورس على اليمنيين قرونًا عديدة.

وما يجعل هذا الكابوس شنيعًا أن المتحصلين لهذه الجباية لا يلتزمون بالمبالغ المفروضة من سلطة الانقلاب بل يضاعفونها لجيوبهم الخاصة كهبة سنوية من سيد الكهف يمنحها لكل عبيده وأزلامه، ولا يلام أي واحد ارتكب أي انتهاك أو جريمة وهو يتحصلها، مهما كان أسلوبه متوحشًا ومنافيًا للأعراف والتقاليد والأخلاق؛ لأنه في الحقيقة يعد تحصيل حق المولد النبوي بالنسبة للقناعات الراسخة في ذهنية السلالة الكهنوتية عبارة عن استباحة سنوية تأديبية وقمعية لليمنيين كما كان الأئمة يبيحون المال والعرض في كل أرض تتمرد عليهم، أما في عهد الحوثي فإن الاستباحة سنوية وتستبق التمرد عليه، وتضعف قوته بالتدريج وتستلب جزءًا من ماله وكرامته حتى يغدو عاجزًا تمامًا عن مقاومته كلما توالت عليه السنون وقادته إلى حتفه.

يا له من جرم ديني كهنوتي يعيدنا للعصور الوسطى ويفصح عن أعظم نكبة حلت باليمنيين تقودهم إلى الفناء بأشكال وأساليب ومسميات مختلفة من النهب والاستلاب والعبودية والتسلط الذي لم يعد له وجود في خريطة العالم إلا في الوطن المخطوف بيد أقذر عصابة سلالية في الوجود.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية