منذ سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانيًا، على مؤسسات الدولة في العام 2014م، شنت حملة ممنهجة لتشويه الوعي الوطني وتزوير التاريخ. ولم تكن المناهج الدراسية بمنأى عن هذا التدمير، بل تحولت إلى ساحة معركة فكرية، حيث عمدت المليشيا لإعادة صياغة الدروس وتعديلها بما يخدم أجندتها السلالية والطائفية.

كان الهدف الأساسي من وراء هذا التحريف- بحسب باحثين وأكاديميين لـ"وكالة 2 ديسمبر"- هو محو الذاكرة الجماعية للأجيال اليمنية، وكذا تفريغ هويتها الوطنية من محتواها، ليحل محله فكرٌ قائم على الكراهية والتطرف، يكرس الولاء للمشروع الكهنوتي بدلًا من الانتماء للوطن.

لم تكن ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة بمنأى عن هذه الجريمة؛ ففي محاولة بائسة لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء، عمدت المليشيا إلى تقزيم هذه الثورة العظيمة من خلال تحريفها في المناهج الدراسية، وحذف كافة الدروس التي تتعلق بالثورة والتي كانت تتضمنها تلك المناهج حتى العام 2014م.

وفي قلب هذا التشويه الممنهج، كانت ثورة 26 سبتمبر المجيدة هي الهدف الأبرز لهذه المليشيا السلالية التي عملت على تفكيك رموزها، وتغيير أهدافها، وتقزيم إنجازاتها العظيمة التي حررت اليمنيين من قرون من الاستبداد والتخلف.

لقد تم اختزال الثورة من دروس بأكملها في المناهج الدراسية، إلى مجرد بضع صفحات، وحُذفت أسماء قادتها ورموزها الوطنية، ليتم استبدالهم بأسماء وشخصيات تخدم فكر المليشيا الحوثية. وفق الأستاذ عبدالحليم الهجري، مدير مكتب التربية والتعليم بأمانة العاصمة صنعاء لـ"وكالة 2 ديسمبر".

يوضح "الهجري" كيف تم اختزال ثورة كاملة إلى مجرد صفحتين فقط، وحذف رموزها الوطنية الكبيرة، أمثال الزبيري وعلي عبدالمغني، ليحل محلهم "القاسم محمد الشيعي"، في عملية تزوير تاريخي مكشوف.

كما أن هذا التحريف- طبقًا للهجري- لم يقتصر على الرموز فقط، بل امتد إلى أهداف الثورة نفسها؛ فقد تم حذف نصوص مهمة مثل "إزالة الامتيازات والفوارق بين الطبقات"، لأنها تتناقض مع فكر المليشيا القائم على الاصطفاء الإلهي والتمييز السلالي.

وكذلك، تم حذف كلمة "مخلفاتهم" من هدف "القضاء على الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهم"، وذلك بحسب "الهجري" لأن الحوثيين يدركون أنهم امتداد لتلك الإمامة التي قامت الثورة عليها وأنهت قرونًا من الجهل والتخلف والكهنوت فرضته الإمامة على اليمنيين.

هذا التحريف الذي طال كتاب "الوطنية" للصف الخامس الأساسي، يُضاف إليه تحريف ثالث لأهداف الثورة وذلك في الهدف الرابع الذي ينص على "إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف"، حيث قام فريق الإعداد التابع للحوثيين بتحريفه، إلى "إنشاء مجتمع ديمقراطي عادل مستمد أنظمته وقوانينه من روح الإسلام".

ويؤكد "الهجري" لـ"وكالة 2 ديسمبر"، أن هذه الجريمة الفكرية ليست مجرد تعديل في النصوص، بل هي محاولة لاغتيال ثورة بأكملها في عقول الأجيال القادمة، وتهديد لمستقبل اليمن برمته.

وقال؛ إن تعمد مليشيا الحوثي الإرهابية تحريف المناهج الدراسية الهدف منه "الأجيال القادمة لتطويعها لخدمة مشروعها السلالي الطائفي". واعتبر ذلك "جريمة مكتملة الأركان".

وأكد أن هذا التحريف الممنهج، الذي يطال أساس الهوية اليمنية، يُعدّ أخطر من قذائف المدافع، لأنه يضرب في الصميم، ويحاول محو تاريخٍ مجيد من الذاكرة الجماعية.

ولا يقتصر هذا التشويه للمناهج الدراسية على مجرد التغيير العابر، بل هو عملية واسعة ومدروسة، بحسب "الهجري"، الذي يكشف لـ"وكالة 2 ديسمبر" أن عدد التحريفات الإجمالية في المناهج الدراسية من قِبل هذه المليشيا الكهنوتية "بلغ 1024 تحريفًا".

وأوضح أن مليشيا الحوثي الإرهابية لم تكتفِ بتحريف المناهج الدراسية فحسب، بل تجاوز الأمر ذلك لحذف 168 درسًا، وإضافة 185 درسًا وموضوعًا جديدًا، كلها تصب في خدمة الفكر السلالي الكهنوتي. لتظل الأرقام هذه شهادة على محاولة تدمير الذاكرة الوطنية، وتفريغ التعليم من محتواه الإنساني والوطني، ليتحول إلى أداة لغرس ثقافة الكراهية والموت، وتعبئة الأجيال بالفكر العنيف المنغلق.

ويؤكد الباحث سمير مريط، في حديث لـ"وكالة 2 ديسمبر"، أن هذا التحريف يهدف إلى تكريس حالة الجهل في الشعب اليمني، وتحويله إلى قطيع من الأتباع الخاضعين للسلالة.

التربوي عنتر الذيفاني- بدوره- يحذِّر- في حديثه لـ"وكالة 2 ديسمبر"- من الانعكاسات الكارثية لهذه التحريفات على الأجيال، لأنها تسعى إلى إدخال دروس وصور تكرس الفكر السلالي وقدسيته وحقه الإلهي في السلطة والثروة.

وفي مواجهة هذا الخطر الداهم، أكد الدكتور علي العباب، نائب وزير التربية والتعليم، خلال ندوة فكرية في مأرب، نظمتها مؤسسة القلم للفكر والثقافة، الثلاثاء، تحت شعار "ثورة الـ26 من سبتمبر في المناهج اليمنية والتحريفات الحوثية"، أكد أن الشعب اليمني لن يستسلم لهذه المحاولات التي تسعى لإعادته إلى عصور الظلام.

كما استعرض الدكتور العباب إنجازات الثورة في قطاع التعليم، مشيرًا إلى أن عدد المدارس ارتفع من بضع عشرات قبل الثورة إلى أكثر من 17 ألف مدرسة بعدها، ما يؤكد أن ثورة سبتمبر كانت ثورة تنوير وتحديث.

وشدد نائب وزير التربية والتعليم، في تصريح لـ"وكالة 2 ديسمبر"، على أن جبهة التعليم لا تقل أهمية عن جبهات القتال، وأنها تمثل خط الدفاع الأول ضد هذه الحملة الشرسة التي تهدف إلى تدمير الأجيال.

وتأكيدًا على هذا الوعي الوطني، أوصت الندوة بضرورة تحصين الأجيال من الفكر الكهنوتي، ودعت إلى مراجعة المناهج الدراسية، وتخصيص حصص شهرية وأيام نشاط مفتوح لتعزيز قيم ثورة 26 سبتمبر في وجدان الطلاب.

كما طالبت الندوة، التي أُقيمت بمناسبة احتفالات اليمنيين بالذكرى الـ63 لثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، الجامعات بتخصيص رسائل جامعية وأبحاث لتوثيق هذا الحدث التاريخي باعتباره أعظم يوم في تاريخ اليمن الحديث.

وأمام هذا التحريف الممنهج لثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة التي ضحى من أجلها اليمنيين بالروح والدم لأجل التحرر من العبودية والاستبداد والجهل، تظل المعركة الفكرية مع هذه المليشيا وجودية، ضمن صراع مستمر بين التنوير والظلام، والتحرر والعبودية.

ويؤكد باحثون وأكاديميون لـ"وكالة 2 ديسمبر"، أن الحفاظ على ثورة 26 سبتمبر في عقول الأجيال هو الضمانة الوحيدة لمستقبلٍ يمني حرّ وكريم يجب أن يعمل لأجله اليمنيون كل ما بوسعهم لصد هذه السلالة التي تحاول تمزيق وطنيته وطمس هويته.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية