ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة لم تكن حدثًا مفصليًا في تاريخ اليمن، بل تحوّلًا جذريًا أعاد صياغة هوية الشعب وفتح أبواب الدولة الحديثة؛ فقد أسقطت قرونًا من الحكم الإمامي الذي عزل شمال اليمن عن العالم، لتطلق مسارًا نحو التعليم والانفتاح وبناء المؤسسات.

وعلى امتداد المراحل الجمهورية المتعاقبة، ظل الهدف الجامع هو التحرر من الانغلاق والالتحاق بركب العصر.. ورغم ما شاب تلك المراحل من أزمات وصراعات، فقد منحت اليمنيين فضاءً أوسع للمشاركة السياسية ونافذة أمل نحو المستقبل.

الجمهورية، بما حملته من إنجازات وإخفاقات، بقيت المضاد الجوهري للمشروع الإمامي الذي يحصر الوطن في سلالة ويغلق المجتمع على نفسه؛ فقد كانت- برغم عثراتها- منصة للتعليم، للتعددية، وللانفتاح على العالم، وهو ما لم يعرفه اليمن في ظل حكم الكهنوت.

اليوم، يعيد الحوثي إنتاج ذلك الماضي، مستخدمًا أدوات الحاضر لفرض عزلة جديدة؛ فبينما أطلقت سبتمبر اليمنيين نحو أفق أرحب، يسعى مشروعه لإعادتهم إلى قوقعة مغلقة، محاصرًا الأجيال في رواية أحادية تستحضر الكهنوت وتغتال الحاضر والمستقبل.

النقد الموضوعي لتجارب الجمهورية واجب وطني، لكن الحقيقة الثابتة أن هذا النظام- على اختلاف عهوده- يبقى المنجز الأهم الذي جمع اليمنيين وفتح أمامهم طريق التغيير؛ فهو الذي أخرجهم من ظلام العصور ومنحهم فرصة لبناء وطن يتسع للجميع.

في المقابل، يمثل الحوثي الضد المطلق؛ مشروع يقوم على الإقصاء، وإحياء سلطة الماضي، ومحاولة طمس كل ما أنجزته الجمهورية وإعادة عقارب الزمن إلى الوراء.

وهنا تكمن جوهر المعركة: ليست مجرد صراع سياسي؛ بل دفاع عن سبتمبر كهوية وطنية وركيزة للوجود اليمني الحديث.. إنها معركة بقاء بين مشروع يفتح الأبواب على المستقبل، وآخر يريد أن يعيد اليمنيين إلى كهوف الماضي.

ويبلغ التناقض ذروته حين يزعم الحوثي امتلاك "حق إلهي" في حكم الشعب وإقصاء اليمنيين، في زمن باتت قيم المواطنة المتساوية والديمقراطية وحقوق الإنسان من أبجديات العصر.. بينما تتسابق الأمم إلى المعرفة والابتكار، يريد أن يعيد اليمن إلى وهم التفويض السماوي، معتقدًا أن سلطته معصومة ومُنحت له بمشيئة إلهية على حساب إرادة الشعب.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية