فتيان عاطلون تركوا تعليمهم وتاهوا في الطريق محبطين بلا أحلام وبلا طموح أو أمل، ووجدوا امامهم ؛ في غياب مشروع الدولة الحاضن للكل ؛ جماعات دينية منتشرة في الحارة ؛ أحاطتهم بمشاعر الذنب واستدرجتهم بسهولة إلى حلقات دروس وعظية؛ وأخذتهم إلى رحلات ترفيهية وإلى أنشطة خاصة ؛ غسلت أدمغتهم خلالها في مهام تدريبية باسم الله ؛ وخلال ظرف وجيز أطلقوا اللحى، وحفوا الشوارب، وتخلوا عن أسمائهم التي اختارها لهم آباؤهم الطيبون، وأصبحوا بين الناس فتيانًا آخرين غير الذي كانوا عليه من قبل !

“عبده” قلَب اسمه “أبو مصعب”، ومُقبل سمى نفسه “البتار”، و”فارع” أصبح ينادى عليه “الزبير بن صقر”، وعبادي قد بيصيحوا له “سعد بن عبادة”، وحمادي قدو  “أبا عُلثمه”، وصالح الفرداع صار أميرًا يلقب بين الناس بـ”أبا سراقة”، و"مهيوب المقرمط" صار اسمه “قرمطة بن الورد”، وتحصلهم كل يوم يتحادفوا في الشارع وقت السلام: أهلاً أبا سُراقه قال أهلاً أبا عُلثُمة" وتشعر وأنت تسمعهم يتبادلون الألقاب والكنى في الطريق بأنك تمشي في يثرب.

ولم يقتصر الأمر على الفتيان فقط، بل وحتى الفتيات اللواتي التحقن بحلقات الدروس الوعظية صار لهن أسماء غير التي كن عليهن من قبل.. حليمة بنت قماش انضمت للقافلة، وقلبت اسمها “أم زُهير” وزكية قدي “نسيبة بنت كعب” و “سلمي فرحان" قد بيصيحوا لها في الحارة “ذات النطاقين”، و”حسناء بنت سعيد” مسمية نفسها " أم الشهداء" وعادها ماقد تزوجت اصلا!  ومن اين جو الشهداء ؟ والله مالي علم!  

وبمرور الوقت أصبح “ابا سراقة ” يلاحق السرق وهو نفسه سارق ابتر !وابا علثمة اصبح يفتي في علوم الأجنة وهو نفسه جني من حق الجن. و”قرمطه بن الورد " صار يحذر المجتمع من غوايات ابليس والشيطان وهو نفسه اكبر مقرمط ! 
وابو مصعب صار يخطب عن الغزو الفكري القادم من الطاقة الشمسية، وهو إنسان متزمت أصلاً، وما يخلي أخته تبدي على جارتها من طاقة البيت! و”الزبير بن صقر ” الذي لم ينهِ تعليمه الابتدائي أصبح طبيب  أعشاب يعطي المرضى وصفات عشبية مع ادعية مأثورة ويقول للناس بأنه يداوي  كل  أمراض العصر والمغرب والعشاء.
وتجي تكلم " سعد بن عباده "عن أهمية التعليم، وأهمية الحصول على الشهادة، يضحك عليك من قلبه ؛ ويسألك مستخفا بهدارك:  
- تعليم موه وشهادة موه ؟ 
ويقوم ذيك الساع يكلمك عن أهمية الشهادة في سبيل الله كأهم شيء يمكن أن يخرج به الإنسان من الحياة !  وتقوله يا أخي العلم في سبيل الله عاده أطعم، يقولك:
– ناهي لك، والذي اتعلموا علام الكفار ما استفادوا؟

### 
في زحام هذه الفضيلة السفري التي تدفقت الينا  من ميزاب الصحوة الاسلامية ؛ أراد أحد الجيران البسطاء أن يطمئن على مستقبل اصغر ابناءه وان ينقذه من الصحبة البطّالة، ومن مسايرة عيال السوق، ولم يجد أفضل من أن يربط ولده " عبد الشكور" بمجموعة أبا سراقة. 
وسرعان ما انخرط الفتى عبد الشكور ذي الرابعة عشرة سنة في دروس الحلقات الوعظية وسار معهم لانشطة الرحلات، ولبس القميص القصير، ووضع المسواك في جيبه، وأطلق للحيته الملساء العنان، وحف شاربه الخفيف، وحفظ كم سورة من القران مع شوية احاديث وغيّر اسمه من عبد الشكور الى “أبو البراء”. وكلها أشهر قليلة وأصبح "أبو البراء"متدينًا يراقب اخلاق المجتمع واخلاق ابوه وامه واخوته في  البيت ! 
ليجد الأب نفسه أمام غلام متزمت ينصحه الى الفضيلة ويدعوه لترك المعاصي وبيع التلفاز! 
ولتجد الام نفسها صارت محاصرة هي الاخرى بقائمة مواعظ يومية لا تنتهي عند مسألة صوتها الذي يرتفع حين تنادي علي،جارتها من شباك المطبخ لتسألها عما إذا كان زيت الخروع ينفع لعلاج كحة عبد الشكور ! 
وحتى الأخوات أنفسهن اصبحن محاطات داخل البيت وخارجة بالريبة وبالشكوك . 
ورجع ذاك الفتى الصغير يربي ابوه وامه واخوته ؛ بدل ماهم يربوه!  
ولو استهجنت الأم تصرفاته المتزمتة، وقالت له في يوم:

– مله مش أكه يا ابني.

يصرخ أبو البراء في وجهها بكل صوته ويقولها:  
- هذا دين الله .

بمرور الوقت ايضا 
أصبح ابو البراء خطيبًا في الجامع، وشيخًا فقيهًا يلقي على الصبيان في حلقات الدروس محاضرات وعظية، ينصحهم فيها بألّا تغريهم علوم الغرب الكافر، وألّا يغريهم التطور والانحلال الذي وصل إليه أعداء الله وأعداء الإسلام، ولا يكف مطلقًا عن احتقار العلم والتقدم ؛ ويصرخ في لمزيد من الحث على عدم احترام العلم ويقول:  
- مالكم ومالابوها هذه العلوم الغربية .. نبينا الأعظم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب!”..
ودائمًا ماكان يفخر بينهم، ويقول: 
- الحمد والشكر لله أنه لا يوجد في بيتي تلفزيون ولا مذياع ولا ديش  ولا مجلات ولا صحف، ولا أيّ شيء من تلك المنكرات التي لا تدخل مع الإنسان إلى القبر ! 
يعني الرجال جاء الى هذه الدنيا ليذهب الى القبر ماجاش يعمر الحياة ويبنيها .

وبعد سنتين من ارتباطه بالجماعة أصبح أبو البراء أميرًا في الجماعة، وشيخًا يفتي في كل شيء، وأيّ شرف كبير يناله جاهل في مجتمع أمي فقير ؛أ كثر من أن يحاط بمثل تلك القداسة، ويتفرغ بسببها لتأديب المجتمع الفاسق !
في احدى المرات ؛ كان بو جهال يلعبوا كرة في الحارة 
قام ابو البراء ينصحهم يسيروا الجامع بدل ماهم ضايعين في الشوارع رد عليه احد الصبيه وقال له : 
- مالك دخل مننا 
زعل ابو البراء واخذ العصى وقام يضربه بالمصادفة مع مرور واحدة من نسوان الحارة اللي تعرف ان الولد يتيم ؛ وتعاطفت معه واقتهرت عليه وقالت تعتب على ابو البراء : 
– لمو تضربه ياشيخ عبده مو عمل بك ؟  
رد عليها متسائلا ؟ 
- قهرتي علوه والا موه ؟ 
قالت : 
- ايوه قهرت علوه من قلبي لانه يتيم يرحم مابو من يضارب بعده 
رد الشيخ الفضيل ابو البراء يحاججها بآية من القران الكريم وقال لها بصوت واثق:
- مو قال الله في محكم كتابه ؟  " وأما اليتيم فلا تقهر " صح والا لا؟ 
قالت:  ايوه 
قال لها:  
- خلاص وانت لمو تقهري علوه !
لاتقهري ولا شي..  الضرب هو لصالحه لأجل يتأدب ويصلحه الله ويقع  إنسان نافع لدينه ومجتمعه. 
....................
يعجبني اعيد نشر هذا المقال يالول كلما ذكرني به الفيس بوك لانه واحدا من احب المقالات الى قلبي

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية