علينا أن نعترف أن ثورة 26 سبتمبر تواجه في الوقت الراهن أكبر خطر في تاريخها، فالمؤامرة الكهنوتية أحكمت قبضتها على كل شيء في البلاد، وأصبح النظام الجمهوري مجرد ديكور، في ظل إعادة التسلط الامامي على البلاد والعباد، بعد أن تم القضاء على مؤسستي الجيش والأمن وضرب القوى المدافعة عن الجمهورية ومنجزاتها.. الخوف الذي يضرب الكثير من أبناء الشعب اليمني وعدم خروجه للدفاع عن الجمهورية والديمقراطية ومكاسب الثورة، هي الكارثة الأفظع التي تنتظر كل يمني ويمنية في المستقبل القريب..

 

إن استمرار التنصل عن تحمل المسؤولية الوطنية، والتعامل مع الثوابت الوطنية بروح اللامبالاة، سيعيد إنتاج أقبح نظام كهنوتي في تاريخ اليمن، فهذه حقيقة تظهر معالمها بشكل واضح في السياسات التي يتبعها الحوثة وتطبق على الواقع في اليمن بصورة ممنهجة تكشف عن مستقبل مظلم ينتظر الشعب اليمني..

 

يمكننا القول إن الأئمة الذين حكموا اليمن مجتمعين لم يبلغ طغيانهم مجتمعين إلى مستوى طغيان وفساد وإرهاب جماعة الحوثي في أربع سنوات، ومن ذلك أن معاناة اليمنيين أصبحت هي الأشد على مستوى العالم، فلم يفقدوا طعامهم فقط بل فقدوا كل حقوقهم وممتلكاتهم وأهدرت دماءهم، وأُقصوا من وظائفهم ونهبت مرتباتهم وغير ذلك، كل هذا وغيره حدث في الوقت الذي لا يسيطر الحوثة إلا على أقل من 20 % من مساحة البلاد.

 

وإذا لم يتدارك اليمنيون الخطأ الكارثي الذي يرتكبونه اليوم بحق أنفسهم وأولادهم ويتحركون لإنقاذ بلادهم فلن تقوم لليمن قائمة بعد اليوم، وعليهم أن يدركوا أن الثورة لم تأت على طبق من ذهب، وإنما كانت ثمرة تضحيات جسام استمرت لعدة عقود من الزمن قدم خيرة رجال اليمن أرواحهم في سبيل انتصارها وانعتاق الشعب اليمني من الحكم الإمامي المتخلف..

 

وفي غمرة احتفالات شعبنا اليمني بالعيد   الـ56 لثورة   الـ26 من سبتمبر الخالدة التي بددت دياجير الظلام وقضت على كهنوت الإمامة   البائد، من الواجب أن نذكر كل يمني حر بمآسي شعبنا قبل الثورة وهي مآسٍ ضاق منها العالم، فكيف سيكون حال أهلنا وأولادنا إذا لم نتحرر من الخوف ونثور ضد الحوثي الذي حول حياة كل أسرة يمنية إلى جحيم، كفى خنوعاً وخضوعاً، وكفى صمتا عن من يسرق لقمة أطفالكم ويقتل فلذات أكبادكم ويمارس سياسة التجويع والإفقار لإخضاع الشعب اليمني الحر..

 

فماذا تنتظرون يا قوم من أقبح وأفظع كاهن سلالي وعنصري أن يقدم للشعب واليمن..؟؟ إن لم تثوروا اليوم وتلتحقوا بصفوف الأحرار من حراس الجمهورية، فوالله إنكم بصمتكم وخوفكم تمنحون الدجال الحوثي الحق في استعباد شعب حر، وهروب كل يمني من تحمل مسؤوليته الدينية والوطنية جريمة بحق أجيال اليمن.. ونرصد   هنا   الإرهاصات    التي   سبقت   قيام   هذه   الثورة   العظيمة، وكذا التعريف بالأوضاع المأساوية التي كان يعيشها الشعب اليمني في ظل الحكم الإمامي الكهنوتي البغيض ونورد شهادات أجانب تظهر بشاعة حكم الأئمة والجرائم التي ارتكبوها بحق شعبنا، الأمر الذي يوجب علينا أن ندرك عظمة الثورة والجمهورية وكارثية التفريط بالمكاسب الوطنية والتحولات الكبيرة التي تحققت لشعبنا في كافة المجالات في أقل من ستة عقود من الزمن.

 

وعندما أشرقت شمس ثورة السادس والعشرين من سبتمبر سطعت أضواؤها مجتثةً عرى التخلف والجمود مزيحة عن كاهل الشعب أثقال الكهنوت والتغطرس المقيت الذي سام شعبنا سوء العذاب منطلقاً من ثقافة الحق الإلهي الذي ما أنزل الله به من سلطان، فكانت ثورة الانعتاق صيحة مدوية في وجه الظلم والجور ونهجاً جديداً لحياة كريمة ومواطنة متساوية مكللة بأريج الحرية ورايات التقدم.

 

لقد عاش شعبنا في ظل النظام الكهنوتي البائد في براثن التخلف والجهل والتي رصدنا بعضها   هنا   إضافة إلى الإرهاصات التي سبقت قيام ثورة   الـ 26 من سبتمبر المباركة.

 

على مدى سنين الحكم الإمامي الكهنوتي الذي استمر 44 عاماً فرض الإمام يحيى حميد الدين ومن بعده نجله الإمام أحمد طوقاً من العزلة المطلقة على اليمن، ما جعل الرحالة الألماني هانز هولفريتز، يعتبرها "أكثر زوايا العالم جهلاً لدى سائر الناس في أنحاء المعمورة"، ولم يكن بإمكان أي إنسان أن يدخل إلى البلاد إلا بموافقة الإمام شخصياً، وكان   السفر   إلى الخارج محظوراً على أهل اليمن حظراً   باتاً ".

 

وتعد ثورة 1948م أول ضربة مسددة إلى هيكل الحكم الإمامي وقلب نظامه الفردي، واستحقت صفة "الثورة" لا "الانقلاب" حسب تحليل القاضي عبدالرحمن الإرياني بحديثه إلى صالح عبده الدحان المنشور بمجلة الحكمة عام 1973م، لأنها "وإن لم تغير نمط الحكم، إلا أنها -وهو الأهم- قد غيرت الأساس الإيديولوجي للحكم من أساس فردي كهنوتي إلى أساس دستوري شوروي، وكان تركيب القوى التي قامت بالثورة يرمز إلى احتمالات واسعة لتطورات كثيرة من شأنها تعميق هوية الثورة لو قدر لها النجاح".

 

حركة 55

في 31 مارس عام   1955م، حدثت حركة قام بها المقدم أحمد يحيى الثلايا وقد قام المقدم أحمد بقيادة فرقة من الجنود لمحاصرة الإمام في قصره في مدينة تعز وطالبوا الإمام بتسليم نفسه وهو ما حدث .

 

وقد اختلف قادة الانقلاب فيما بينهم على مصير الإمام فبعضهم اقترح قتله والبعض الآخر اقترح أن   يستبدل بأخيه الأمير السيف عبدالله، وفي أثناء ذلك قام الإمام بفتح خزائن قصره واشترى جنود   الثلايا.

 

كما قامت نساء الأسرة المالكة بقص شعورهن ووضعنها في أظرف وأرسلنها إلى القبائل وكتبن لهم "يا غارة الله بنات النبي" أي أنهن بنات الرسول من الأسرة فهجمت القبائل على تعز وأفشلت الحركة.

 

حركة اللقية والعلفي والهندوانة

في 6 مارس 1961م جرت محاولة اغتيال للإمام أحمد حميد الدين في مستشفى مدينة الحديدة قادها ثلاثة ثوار يمنيون هم: محمد عبدالله العلفي وعبدالله اللقية ومحسن الهندوانة، لكن المحاولة فشلت وأعدم الثلاثة.. وكان الهندوانة من "عكفة" (حرس) الإمام نفسه.

 

وقد عين العلفي ضابطًا لمستشفى الحديدة وكان يضمر للإمام أحمد يحيى حميد الدين، كرهاً بالغاً لظلمه وجبروته فاتفق مع زميليه عبدالله اللقية، ومحسن الهندوانة على قتله، وكان حسين المقدمي، مدير المستشفى من الثوار، وصديقًا للعلفي؛ فأعلمه بأن الإمام ينوي زيارة المستشفى؛ لتفقد بعض حرسه الذين أصيبوا إثر حادث انقلاب إحدى سيارات موكب الإمام، وهو في طريقه إلى الحديدة.. أعد العلفي مع اللقية، والهندوانة خطة لقتل الإمام، وحين وصل الإمام أحمد حميد الدين إلى المستشفى، وكان الوقت ليلاً، منع العلفي حراس الإمام من الدخول إلى المستشفى، بحجة خشية إزعاج المرضى، وأفهمهم أن هذه رغبة الإمام، وما أن دخل الإمام إلى بهو المستشفى؛ حتى أطفئتْ الأنوار، ثم أُطلق عليه وابلٌ من الرصاص، في مواضع مختلفة من جسده، فهوى مضرجًا بدمائه، وتظاهر بالموت، ودخل حرسه، وألقوا القبض على عبدالله اللقية، ومحسن الهندوانة، ونقلوا إلى مدينة تعز.. وظل العلفي   يقاوم حتى قُتل، وقيل: إنه أطلق النار على نفسه، بعد معرفته أن الإمام لم يمت، وأن عملية إسعافية تجرى له .

 

ويمكن القول إن الوصول إلى هذا اليوم الخالد، الذي أعلن فيه عن قيام ثورة 26 سبتمبر المجيدة عام 1962م، وهو بالتأكيد يدل على أن الشعوب التي تبحث عن الحرية لابد لها أن تناضل وتكافح من أجل الوصول إليها وتتمتع بحياة أفضل، وهذه الدلالات تؤكد حق الشعوب في الحياة والعيش   الكريم  والأمن والاستقرار   والتطلع   إلى  غد   أفضل ، وذلك مرهون بالتحرر من الخضوع والاستسلام والاتكالية واستشعار كل يمني للمسؤولية الدينية والوطنية تجاه شعبنا ومستقبل الأجيال وضرورة التحرك في فعل ثوري شجاع يخلص اليمن واليمنيين من كارثية عصابة الحوثي..

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية