تقرير| على خلفية المطالب المتصاعدة بالمرتبات.. توتر وتناقض وكذب "المشاط"
منذ أكثر من سبع سنوات، تتهرب المليشيات الحوثية المدعومة إيرانيًا، من صرف مرتبات الموظفين، وتختلق ألف عذر قبيح؛ بغية المضي في سياسة ومنهجية التجويع والإفقار.
لم يشهد اليمنيون، على امتداد تاريخهم العريق، جماعة أسوأ من عصابة الحوثي التي تُلزم الشعب أن يدفع لها الزكاة والضرائب والتحسين والجمارك وفارق سعر المشتقات النفطية مضاعفة، ويشتري السلعة مجمركةً مرتين وضرائبها ١٠٠%، وتتنصل من التزاماتها تجاهه.
تتحصل المليشيات أكثر من تريليوني ريال سنويًا كموارد ضريبية وجمركية وفوارق أسعار الوقود، ناهيك عن الجبايات والإتاوات غير الرسمية، وتخفي هذه الموارد الهائلة وتمتنع عن تقديم بيان بها إلى ما تبقى من مجلس النواب غير الشرعي في مناطق سيطرتها، بمبررات ومزاعم بينها تسريب الموازنة إلى مجلس الأمن أو ما تسميه "العدوان"، وهي شعارات سمجة يعرف الرأي العام جيدًا أنها ليست سوى غطاء لصرف النظر عن عمليات النهب والسرقة الحوثية للموارد.
حتى وأن كانت حكومته وبرلمانه غير معترف بهما دوليا ..يتجاهل الحوثي- متعمدًا- النص الدستوري، الذي تنص مادته العشرين على أن يرفع مجلس الوزراء مشاريع الموازنات العامة إلى مجلس النواب قبل شهرين على الأقل من بداية السنة المالية؛ غير أن اللصوص اعتادوا على العمل في الظلام بعيدًا عن أعين الرقابة البرلمانية أو الشعبية، لتسهيل عملية سرقة الموارد وخداع الشعب بشحتها لإسكاته عن أي مطالب حقوقية؛ فالميزانية ليست أسرارًا في تكنولوجيا الفضاء حتى يخشى الحوثي تسربها.
منذ تصاعد المطالب بالمرتبات وإثارتها في البرلمان غير الشرعي، اتهمت المليشيات البرلمانيين والموظفين بأبشع أنواع التهم وأقذعها، والشعب بمختلف شرائحهم، ووصفهم بالحمقى والغوغائيين، والخونة والعملاء، لتثبت المليشيات أنها عصابة دخيلة تستعدي جميع فئات الشعب.
ففي مواجهة المطالب المتصاعدة بضرورة صرف المرتبات، وتنفيذًا لتوجيهات زعيم العصابة المدعو "عبدالملك الحوثي"، شنَّت قيادات حوثية وعلى رأسها المدعو "مهدي المشاط" وخطباء مساجد مؤدلجين، حملة تسفيه عنيفة ضد المطالبين برواتبهم، واتهموهم بالعمالة ومعاداة الدين الإسلامي، وزعموا أن الرواتب ليست من الدين، وأن مَن يطالبون برواتبهم وينتقدون الإنفاق الباذخ على المناسبات الطائفية منافقون ويعملون ضمن استراتيجية من تصفهم الجماعة بالأعداء.
القيادي الحوثي المدعو "مهدي المشاط"، اتهم المطالبين بالرواتب والمؤيدين لهم، ووصفهم بـ"الغوغائيين" والمزايدين والحمقى، وقال إن عليهم الكف عما سماه "المزايدة بمعاناة الموظفين لسنوات"!!
غير أن الشعب يعرف ثلة المزايدين جيدًا؛ إذ إن المزايد هو ذلك المسؤول الذي يتقاضى مخصصات مالية بالملايين شهريًا ثم يظهر في وسائل الإعلام يتذرع بعدم وجود الموارد لصرف مرتب الموظف الذي لا يتجاوز بضعة آلاف من الريالات.
وفي سابقة تاريخية طالب المدعو "المشاط" السعودية بتحمّل مسؤولية صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة جماعته، وهو يناقض تصريحات سابقة له قال فيها إنه رفض شخصيًا مبادرة من السعودية لصرف مرتبات الموظفين خلال مباحثات أبريل الماضي، وإن السعودية وافقت على صرف المرتبات؛ لكن أمريكا منعتها، وإن قطع المرتبات مؤامرة أمريكية تستهدف الموظف اليمني، وإن أمريكا تمنع تشغيل ميناء الحديدة كي لا تتمكن جماعته من صرف المرتبات!
هذا التخبط والتناقض والكذب على المكشوف، لم يكن مستغرَبًا من قِبل المشاط وجماعته الانقلابية؛ فبعد أكثر من عام ونصف العام على فتح ميناء الحديدة وتحصيل المليشيات من موارده منذ بدء الهدنة أكثر من تريليون ريال، تتهرب المليشيات من التزاماتها بدفع المرتبات وتبحث عن شماعة جديدة وكذبة أخرى لتسويقها ومحاولة مغالطة الناس ومماطلة الموظفين من خلالها.
كيف يمكن إطلاق صفة "حكومة" على مليشيا وعصابة نهب تثقل المواطن بالجبايات والأزمات ولا تنفق عليه؛ فلا رواتب ولا خدمات ولا مشاريع، سوى الاستيلاء على الأراضي والعقارات والممتلكات العامة والخاصة، فمظاهر سلطة الحوثيين تتجلى فقط في ملاحقة الناس ونهبهم، واختطافهم، ومضايقتهم، وإجبارهم على دوراتها وأنشطتها الطائفية، وفصل الطلاب عن الطالبات، وتقييد ملابس الناس ومراقبتهم في الشوارع؛ ووقت صرف المرتبات تحيلهم إلى الشرعية والتحالف، في تناقض يؤكد حقيقة سياسة التجويع الحوثية تجاه المجتمع.
تناقضات "المشاط" وكذبه، ليست مجرد تحليلات للكتاب والسياسيين؛ بل صارت محل حديث عامة الناس، وتساؤلاتهم واستغرابهم من حديث الحوثي عن الكرامة وتحسن الأوضاع بينما الفقر يفتك بالناس؟! وفيما يطالب الحوثي الناس بالتقشف تعبث جماعته وقياداتها الأموال والبذح واضح على قيادات المليشيات في كل مظاهر الحياة؟! لتُظهر أنهم شرذمة لا ترتبط بالشعب وتضاعف معاناته، في حين تطالبه بالصبر.
أكاديميون وناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبروا خطاب "المشاط" بمثابة إعلان حرب واضح على حقوق المواطنين والموظفين، وتهجم صريح على عدالة قضيتهم، وإنكار قبيح لمظلوميتهم، واستخفاف مستفز لمعاناتهم، واتهام واضح لوطنية اليمنيين من غير المليشيات، وقذف وتعريض.. مؤكدين أن خطابه وغيره من القيادات الحوثية مرفوض، ولا يمثل سوى الجماعة الكهنوتية التي تسعى لاستعباد اليمنيين وتجويعهم وتركيعهم.