الدكتور صادق القاضي يكتب لـ "2 ديسمبر": "بني بويه" و"يوم الغدير"
في "18" من شهر ذي الحجة، عام "352هـ"، أمر الملك البويهي "معز الدولة بن بويه" بإقامة مظاهر احتفالية عيدية في أرجاء بغداد، فأُظهرت الزينات، وضُربت الطبول، ونفخت الأبواق، وأشعلت النيران في أبواب الأمراء، وأماكن الشرطة، وفتحت الأسواق بالليل، وكانت ليلة عيدية كأفضل ما يكون، وبكر المتشيعون إلى مقابر قريش، وصلوا هناك.
أمّا المناسبة.. فهي ذكرى "يوم الغدير" الذي حدده الشيعة في مثل هذا اليوم، من السنة العاشرة للهجرة، تقول الحكاية: إن النبي يومها كان عائدًا من حجة الوداع، وعندما وصل إلى منطقة "خم" جاءه الوحي مشدداً عليه بأن يبلغ رسالة الله للمسلمين، والرسالة هنا ليست الإسلام، بل "الولاية"، فقام النبي يخطب بالناس قائلاً:
"من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَال من والاه، وَعَاد من عَادَاهُ"!
لا مشكلة حتى الآن، لا علاقة للعبارة بالسياسة والسلطة، وعلى هذا الأساس السياقي المقامي رواها كثير من رجال أهل الحديث من السنة، بعيداً عن نظرية "الولاية" و"الإمامة" اللتين تبلورتا بعد عقود طويلة، ربما أكثر من قرن من المناسبة، هذا إن صحت هذه الحكاية والمناسبة برمتها.
حسب الخبر، كان في موكب النبي يومها آلاف مؤلفة من الصحابة، من المهاجرين والأنصار، ويقال إنهم التفوا حول علي بن أبي طالب، وزفوه في موكب مشهود، وهنأوه بالوصية، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر، اللذان قالا له: "بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة".
لكن بعد فترة قصيرة- عدة أسابيع فقط- نسي الجميع هذه الوصية، أو تواطأوا على نسيانها، وتنكروا لعلي، والتفوا حول أبي بكر وعمر، حتى صاحب الشأن نفسه "علي" لم يحاول تذكيرهم بها، عندما كانت على المحك، ولم يحتج بها لنفسه إلا بعد أن أصبح خليفة!
وفي كل حال، فقد حاز علي بن أبي طالب على الإمامة في حياته، ولم يوصِ بها لأحد من بعده، مقتديا- حسب قوله- بالنبي الذي توفي ولم يوصِ لأحد، لكن.. مع مرور الأيام صارت الحبة قبة، وصار للقبة سدنة ونذور، وشيوخ ودراويش، وأصبح للأكذوبة الكثير من القرون والمخالب والأنياب، والمناسبات والأعياد العامة.
وكما سبق، "معز الدولة البويهي" هو صاحب براءة اختراع هذه المناسبة العامة، وقد جعل منها عيداً، كما يحفظ له التاريخ أيضاً أنه كان قد أمر، في عاشوراء من نفس العام، أن تغلق الأسواق، وأن تلبس النساء المسوح من الشعر ويخرجن في الأسواق حاسرات عن وجوههن، ناشرات شعورهن، يلطمن وجوههن، ينحن على الحسين، ويخرج الرجال للمشاركة في هذه المناحة العامة.
وهكذا يكون معز الدولة قد أسس لعيدين من أعياد الشيعة، ويبدو أنه فعل ذلك، رغم كونه شيعياً، مراضاة للمرجعيات الشيعية حينها، ونظراً للجانب الإيجابي في شخصيته كان رجل دولة حقيقي، قد يستغل أحياناً العقائد الدينية لصالحه، لكنه لا يتعامل معها بجدية، كما في مسألة "الإمامة".
كان معز الدولة قد استولي على بغداد عاصمة الدولة العباسية عام "334هـ"، في عهد الخليفة "المستكفي" العباسي، الذي أصبح في يديه كالعصفور منتوف الريش مكسور الجناح، فنصح بعض المقربين عز الدولة حينها بأن يخلع هذا الخليفة، ويعين إماماً شيعياً من أهل البيت العلوي.
وبالفعل خلع معز الدولة المستكفي، وسمل عينيه بالنار، لكن فيما يتعلق بتعيين إمام علوي، كان معز الدولة يدرك بأن هذا معناه أن يخلع نفسه ويضحي بملكه هو لأجل هذا الإمام، فرفض النصيحة، وقيل إنه قال ما معناه، إن السلطة الفعلية في يده، ويحكم باسم الخليفة، ولو سلمها لإمام من أهل البيت، فسيسلبه هذا السلطة، لأن أهل البيت وشيعتهم يعتقدون أن السلطة من حقهم، كحق إلهي!