جهاز كشف الكذب.. وكذبة السيادة والتصنيع الحوثية
ماذا يريد حوثي قادم من الكهف بجهاز حديث كهذا؟ أول سؤال تبادر إلى ذهني، خلال المؤتمر الصحفي في المخا، وأنا أشاهد جهاز كشف الكذب ضمن شحنة الـ750 طنًا الإيرانية المضبوطة.
طوال السنوات الماضية، قابلت الكثير ممن غادروا سجون المليشيا لتوثيق قصصهم المأساوية، كانوا يحكون لي عن صنوف من الرعب والتعذيب، مما لا يخطر على بال. لم تترك الحوثية وسيلة إذلال وانتهاك للكرامة الإنسانية، نفسية وجسدية، إلا واستعملتها ضد خصومها، لكنّ أحدًا ممن قابلتهم لم يخبرني عن تعرضه لجلسة تحقيق باستخدام جهاز كشف الكذب، وهذا بديهي بالنظر إلى جماعة متوحشة ظلامية لا تجيد سوى لغة العنف والدم.
فما الذي تغير الآن؟ هل ملّ الحوثيون من تعذيب المعتقلين وبدأوا البحث عن وسائل حديثة لانتزاع الاعترافات؟
كلا، والحقيقة أن هذا الجهاز لن يصل إلى أيديهم، بل إلى أيدي عناصر الحرس الثوري في صعدة وصنعاء، وأول من سيكتوي بناره هم الحوثيون أنفسهم، إذ يبدو أن إيران لا تمنحهم ثقتها المطلقة. وبالطبع، لا تريد أن تكرر تجربة حزب الله والهزيمة المدوية التي طالته نتيجة اختراق الموساد لمنظومته الأمنية، وأكثر من ذلك، لا تريد تكرار تجربتها هي نفسها في حرب الـ12 يومًا والخسائر الفادحة التي مُنيت بها بفعل التوغل المخابراتي الإسرائيلي داخل أراضيها وانكشاف قادتها العسكريين والأمنيين بطريقة مخزية.
لقد تعرض نظام الولي الفقيه لصفعة مذلة وجرح قاتل لن يندمل لعقود طويلة، إن كُتب له البقاء طبعًا. وكل ما يفعله الآن هو سعي يائس لتفادي مذلة أكبر وطعنة لن ينجو منها، ولكن بالاعتماد على استراتيجية إبقاء المعركة خارج حدوده- اليمن تحديدًا.
وبما أن نظام الخميني قرر تهريب ترسانة تسليح ضخمة إلى الحوثيين، فإن وضع كامل ثقته بهم أو تسليمهم كل صواريخه ومعداته الحساسة مغامرة محفوفة بالمخاطر، كيف وقد رأى بأم عينه كمندوز الموساد الإسرائيلي يصلون إلى ما كان يظنه يومًا حصينًا وعصيًا على الاختراق.
ولذلك، من الآن وصاعدًا، سيكون على كل قيادي أو فرد حوثي، تحوم حوله شكوك عناصر الحرس الثوري، أن يخضع، راغمًا، لجلسات تحقيق كشف الكذب على أيدي ضباط الخميني العقائديين الممسكين بزمام الأمور في صنعاء.
أرادت إيران، من تهريب هذا الجهاز، كشف خداع عملائها والتأكد من مدى إخلاصهم لمشروعها، لكن بحرية المقاومة الوطنية كان لها رأي آخر وإرادة يمنية أقوى مما يريد المحتل. وما قامت به، لم يكن مجرد مصادرة شحنة أسلحة مهربة وحسب، بل كشف وتعرية لزيف وخداع الحوثيين، سواء في ادعاء التصنيع الحربي أو امتلاك السيادة، وهم ليسوا سوى أداة رخيصة في يد الإيرانيين.