عندما يُعلن عن ضبط شحنة أسلحة مهربة إلى ميليشيا مسلحة، يتبادر إلى الأذهان عادة مشاهد الصواريخ والمدافع والطائرات المسيّرة التي تغرق الأرض بالدمار وتزهق الأرواح.. لكن ما كشفته المقاومة الوطنية مؤخرًا، خلال مؤتمر صحفي عرض تفاصيل ضبط شحنة ضخمة من الأسلحة الإيرانية المهربة إلى مليشيا الحوثي -بوزن وصل إلى 750 طنًا- دق ناقوس الخطر وألقى الضوء على جبهة ربما غابت عن وعي الكثيرين- معركة غير مرئية، لا تُخاض بالبارود فقط، بل تتسلل خلسة إلى الهواتف والجيوب، وتستهدف تفاصيل الحياة اليومية-..

لم تكن هذه الشحنة عادية، بل ضمت أسلحة وصواريخ متطورة تعادل إمكانيات جيوش نظامية.. والأخطر من ذلك هو احتواؤها على أجهزة تجسس متقدمة إسرائيلية الصنع، من شركة دولية معروفة بتقنياتها المتطورة في المراقبة والتتبع.. هذه الأجهزة لا تحتاج إلى إذن أو اتصال مباشر، بل تعمل عبر موجات هوائية تغطي نطاقًا جغرافيًا واسعًا، قادرة على اختراق الهواتف المحمولة وسحب كل محتواها من الصور، الفيديوهات، الرسائل المحذوفة، سجلات التطبيقات مثل واتساب وتيليغرام وسناب شات، وحتى تلك المحمية بكلمات مرور.

هذا الكشف الصادم يفضح التناقض الصارخ في خطاب مليشيا الحوثي، أداة إيران في اليمن. ففي الوقت الذي ترفع فيه شعارات (الموت لإسرائيل) وتدعي مقاطعة منتجاتها، تستورد في الوقت نفسه أجهزة إسرائيلية تُستخدم عالميًا في مراقبة المعارضين وقمع الصحفيين وانتهاك الحريات.. إنها قمة النفاق، حيث تتساقط الشعارات الجوفاء وينكشف الوجه الحقيقي لأولئك الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية، وهم يتزودون بأدوات الاحتلال نفسه.

لم تعد المعركة اليوم تقتصر على مواقع الاشتباك أو جبهات القتال، بل دخلنا في قلب حرب بيانات تُخاض داخل الجيوب والمنازل والمحادثات الخاصة.. الأجهزة المضبوطة لم تُرسَل لاستهداف مواقع عسكرية فحسب، بل برمجت لاختراق حياة المدنيين، وجمع المعلومات دون علمهم في الشوارع والمنازل وحتى خلال لحظاتهم الخاصة.

العملية التي قادتها وحدات المقاومة الوطنية كشفت منظومة تسليحية متكاملة من صواريخ بحرية وأرض-أرض، طائرات مسيرة انتحارية، أنظمة دفاع جوي، كاميرات تجسس بحجم الإبهام، أجهزة كشف كذب، محركات طائرات مسيّرة، وأسلحة متطورة من مختلف العيارات. لكن كل هذا بدا أقل خطورة أمام أدوات التجسس والقرصنة الإلكترونية التي تستهدف أمن الأفراد لا فقط الدول.

فالتهديد السيبراني أصبح الخطر الأكبر، لأنه لا يُرى ولا يُسمع، لكنه قادر على اختراق العقول والمجتمعات.. شحنة كهذه لا تمثل فقط خرقًا أمنيًا تقليديًا، بل علامة واضحة على أن ساحة الصراع امتدت إلى المجال الرقمي، حيث تُسرق السيادة عبر المعلومة وتُخترق الدول عبر الهواتف لا عبر الحدود.

ما يحدث ليس مجرد تهريب سلاح، بل جزء من مشروع تخريبي ممنهج، تقوده دولة إقليمية تتقن استخدام الحرب والتجسس والتقية الدينية والسياسية لتوسيع نفوذها، دون أن تترك شيئًا من الشعارات التي يرفعها حلفاؤها إلا واستباحته في الخفاء.

إنها حرب على الحقيقة، على الخصوصية، وعلى الإنسان في جوهره. واليوم، تتوسع رقعة المعركة لتشمل كل بيت، وكل جهاز، وكل رسالة.. لقد أصبحت المعلومة الجبهة الأخطر، والخط الدفاعي الأول الذي لا يقل أهمية عن الأرض والكرامة.

وقوع أجهزة تجسس متقدمة -بعضها من منشأ إسرائيلي- في طريقها إلى مليشيا الحوثي الإرهابية، يكشف حجم الخطر الداهم الذي تمثله هذه المليشيا الدموية عندما تُمنح أدوات المراقبة والتعقب المتقدمة في مناطق سيطرتها؛ حيث ستسخرها بلا شك لقمع السكان، وتنفيذ أشنع الانتهاكات من التي تحدث الآن، وتعزيز قبضتها الأمنية والاستخباراتية على رقاب المواطنين.

لمواجهة هذا التهديد الداهم، لا بد من يقظة وطنية حازمة وتحرك عملي ملموس ومثمر للحكومة الشرعية، إلى جانب تحرك دولي وإقليمي صارم يقطع شريان التمويل والتسليح للمليشيا الحوثية.. ويجب فضح كافة الجهات الإقليمية والدولية إلى جانب إيران التي تمدها بكل أنواع الدعم، سواء عبر البحر، أو شبكات التهريب، أو حتى عبر الحرب الإلكترونية والمعلوماتية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية