في موزع والوازعية.. بقايا جروح لم تندمل صنعتها آلة الموت الحوثية( تقرير)
في وقت كانت الشمس تحيدُ تدريجيًا عن كبد السماء وقد فرغ الناس من صلاة الظهر يوم الخميس 27 مارس من العام 2016م، اشتدت وطأة القصف الحوثي على منازل المدنيين في بلدة الشقيرا، مركز مديرية الوازعية، وبينما كان الرعب يخيّم على الناس، كان خليل ثبير (40 عامًا) يحاول تقييم الوضع بإلقاء نظرة مباشرة من شرفة منزله.
في اللحظة التي كان خليل يعاين مواقع سقوط القذائف وكثافتها من شرفة المنزل ليقرر ما إذا كان سينزح أم لا؛ تفجّر المكان من حوله وخرّ ساقطًا على الأرض، للوهلة أُغمي عليه وفقد الإدراك؛ لقد سقطت قذيفة أطلقها الحوثيون في المكان الذي كان يعاين منه طبيعة القصف.
احتشدت العائلةُ برمتها لإنقاذ العائل الوحيد، الذي اُنتشل من بين الأنقاض وقد فقد ساقه، عقب إسعافه إلى مركز الشقيرا الصحي وتضميد جراحه الغائرة وسد ثغرات النزيف، نُقل على عُجالةٍ إلى مركز طبي ترعاه منظمة أطباء بلا حدود في عدن، ولمدة 4 أشهر ظل يتنقل بين تعز وعدن بحثًا عن وضع أفضل داخل ردهات المستشفيات.
أمام المحاولات اليائسة للحصول على طرف صناعي بغرض تجاوز الاتكاء على العُكاز؛ قرر خليل مغادرة الوازعية التي كانت على صفيح ساخن آنذاك، وانتقل للعيش عند أحد أقاربه خارج المديرية؛ لكن نبأ تحرير الوازعية في مايو 2018، على أيدي القوات المشتركة أبرق بالأمل أمام ناظريه وبث في صدره فرحًا لا يساوى، لقد حانت العودة من جديد إلى مسقط الرأس.
أفقدت القذيفة الحوثية، خليل ثبير، الحركة وحدت من نشاطه الدؤوب المعهود، وأطفأت شمعة طموحه، وهو الذي كان من أشهر تجار بيع الحيوانات في الأسواق الشعبية بالمنطقة، وكانت هذه المهنة مصدر عيشه الوحيد، وقد فقدها مع فقدانه ساقه لتبدأ من حينها معاناته المريرة.
ورغم فقدانه إحدى ساقيه، يحاول ثبير اليوم الوقوف مجددًا على قدمٍ واحدة متسلحًا بشغف المهنة والحاجة لاكتساب الرزق بتعفف؛ إذ عاد مرة أخرى مغمورًا بالأمل والهمة لبيع الحيوانات على بعض المطاعم في مركز الشقيرا، لتلبية بعض المتطلبات في ظل ظروف المعيشة الصعبة وعدم وجود عائل لأسرته.
في موزع القريبة من الوازعية، والتي تقاسمت معها نفس الألم وذات الجرح الذي صاغه الحوثيون على أجساد الناس بسكاكين الغدر؛ يعاني سمير سالم من إصابة نتجت قذيفة حوثية تسببت في بتر إحدى قدميه عام 2017، وأصابت الأخرى؛ ومن حينها لم يعُد سمير يستطيع القيام بالكثير من المهام والأعمال التي تتوجب عليه للحصول على لقمة العيش.
يجد سمير، الذي غادر في رحلة علاج إلى مصر استغرقت عامًا ونصف العام، صعوبة في لي قدمه الأخرى نتيجة للإصابة، وحاليًا يعتمد ما أمكن على قدم صناعية بدلًا عن تلك التي بُترت، لعله يستطع الحركة قليلًا في الأماكن القريبة من منزله.
مع صعوبة الحركة ولقلة توفر الخدمات في بلدته، اقترض سمير سالم مبلغًا ماليًا من بنك الكريمي لفتح بقالة صغيرة في قريته بالصرارة، يأملُ اليوم أن يساعده هذا المشروع في تحقيق الاستقرار وتوفير احتياجات أسرته في ظل إعاقته وصعوبة انتقاله إلى مناطق أخرى للعمل.
وتسببت الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي بواقع أكثر من مليوني لغم، فضلًا عن عمليات القصف الممنهجة، في سقوط عشرات الآلاف من المعاقين الذين فقدوا القدرة على الحركة، كما فقدوا الوسيلة لتوفير أرزاق أسرهم.