في صنعاء.. الولاية طامة والحراك دؤوب
اللائحة الداخلية لما يسمى المجلس السياسي الأعلى الحاكم في صنعاء، تنص على أن تكون رئاسته مناوبة بين طرفين.. يتولى الأول الرئاسة مدة أربعة أشهر، وبعدها تنتقل الرئاسة للطرف الثاني، الذي يُعتبر في الظاهر شريكًا للعصابة الحوثية، وهي في الأصل تعتبر نفسها عصابة لا شريك لها، بحكم ما تعتقده في أن ولاية أمر الأمة محصورة في عيال العائلة الهاشمية التي اصطفاها الله وميزها عن اليمنيين الآخرين.
الأمر لا يقتصر على زعيم العصابة الذي لا حدود زمنية لولايته، كما لا حدود لولاية المرشد الأعلى لجمهورية إيران، الولي الفقيه علي خامنئي. يسري الأمر نفسه على ما يسمى المجلس السياسي الأعلى، فالولاية هنا محصورة أيضًا في رجال العصابة، وإن كانت العضوية في المجلس مناصفة حسب اللائحة، فإن معظم الأعضاء ينتمون للعصابة، وضم إليهم محمد علي الحوثي قصدًا للتعويض عن أي ضعف في دور الولي.
منذ البداية إلى اليوم لم يترأس المجلس أي أحد من خارج تلك العصابة.. كانت في صالح الصماد، وتم التمديد له مرة بعد مرة، وآلت إلى مهدي المشاط الذي يمسك بالولاية منذ نحو خمس سنوات.
قبل عام مددت فترة ولاية المشاط إلى اغسطس 2022، وقبل يومين مددت ولايته إلى اغسطس 2023.. هذا الانتظام الأغسطوسي مرده إلى البداية التي كانت في شهر أغسطس 2016، الذي تولي فيه صالح الصماد إلى أن قُتل في أبريل 2018.
هذا في قانون العصابة الحوثية يعني أن صاحب الولاية لا يتركها إلا في حالتين استثنائيتين هما الموت أو القتل.
الطريف أن التمديد شمل أيضًا فترة نائب المشاط، والنائب مثل الجني تسمع به ولا تراه، فمن ذا الذي قد رأى سلطان السامعي يقوم بدور نائب؟ فهو مشقُر تعزي للزينة، مثلما كان الدكتور قاسم لبوزة أيام الصماد فُلة لحجية.
العجيب أن العصابة التي تحتكر الولاية، تهرب من عجزها وفشلها إلى الهجوم على المؤتمر الشعبي العام، الذي تركت له رئاسة حكومة الأمر الواقع في صنعاء، التي يدبر شؤونها مشرفون ولّتهم العصابة على كل وزير ومدير، بما في ذلك بن حبتور الذي يشبه إليزابيث في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى، عدا أنها تملك ولا تحكم، وأنه لا يملك ولا يحكم، ومع ذلك فإن عصابة الطمع لا تكف عن الهجوم على المؤتمر الشعبي، وكأنه هو الذي حشرها في أقماع السمسم كما تقول العرب.
على ذكر الحشر، حري بنا هنا الاعتراف أنه لا يمر يوم دون أن يدهشنا رجال العصابة الحوثية وتابعوهم بحراكهم السياسي. تدلك اللقاءات اليومية- والحق يقال- على حيوية العصابة وقدرتها على بناء علاقات داخلية وخارجية.. على أن لبن الحمارة لابنها، فمن غير العِرص يشرب لبن الأتان؟
الحق يقال، والحقيقة عنيدة، فتحركات العصابة في صنعاء، فعالة لهذه الجهة.. يقف على أخبارها اليومية في وسائل إعلام العصابة أي مطالع غير مكابر.. تابعوا مثلًا وكالة سبأ هنا: مهدي المشاط يستقبل وزير الداخلية.. رئيس الوزراء يلتقي وزير الاتصالات.. وزير الاتصالات يستقبل وكيل الخدمة المدنية.. نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية يعقد اجتماعًا مع نائب وزير المالية.. رئيس مجلس الشورى يلتقي عضو مجلس الشورى.. وهات لك هات، فما أكثر فرائد الفارغين ومثابرة الولاة الأعلام.
أما وزير الخارجية فمنكبّ على التهاني، وقد قيل لنا إنه أرسل برقية لتهنئة نظيره الكيني، ولا أحد قال له إن الرجال المذكور اسمه في البرقية قد ترك منصبه قبل سنة!
إن هذا النوع من الديناميكية لا تفسير له، سوى أن حزام العزلة يطوق الجماعة الانعزالية نفسها.. محشورة في أقماع السمسم.. عِرص يشرب لبن أمه.