في اليمن، تَستَحضِر كلمة "جمهورية" إلى الذهن مضموناً اجتماعياً وفكرياً وتاريخياً يقف جذرياً على النقيض من كل ما يعمل الحوثيون اليوم على تنشيطه سياسياً؛ من رموز، ومناسبات دينية مذهبية، وألقاب، وثقافة تاريخية، ومنطق تنظيمي وحركي.
 
بينما في إيران لم يواجه "الملالي" صعوبة مع الكلمة ذاتها -الجمهورية- التي أعادوا طرحها، كما نعرف، بمحتوى ثيوقراطي تعسفي لا يتفق مع جوهرها الأصلي، جوهر الجمهورية.
 
فلم يكن لرجال الدين الإيرانيين -الذين تصدروا الثورة على نظام الشاه الملكي الإمبراطوري- علاقة خصام سابقة مع الفكرة الجمهورية، ولا حتى مع الكلمة التي لم تكن كما يبدو قد دخلت القاموس السياسي الإيراني من قبل، ولم تكن قد استُخدمتْ -كعنوان- في سياق صراعي مع التقليد السياسي الديني الملفَّق الذي أسسه "الملالي" تحت اسم: "الجمهورية الإسلامية".
 
ففي الفترة التي اندلعت فيها "ثورة الخميني"، كانت "الجمهورية" في إيران لا تزال كلمة بلا تاريخ، ولهذا لم يكن هناك ما يحول دون الاستحواذ عليها وتعريضها للتشويه، شكلاً ومضموماً.
 
أما "الجمهورية" في اليمن فهي تشير تاريخياً، وحتى نفسياً، إلى الاستجابة الوطنية الأحدث والأنجح التي توصّل إليها الجسم اليمني للتعافي من حالة تسمُّم عانى من مضاعفاتها المؤلمة لأكثر من ألف عام. 
 
وقد تحوّلتْ كلمة "جمهورية" هنا إلى واحدة من أهم الكلمات الضخمة التي يجب أن تبرز إلى الأذهان في كل مرة يطفو فيها على السطح أعتى وأخطر نقائضها التاريخيين: الإمامة الزيدية وبُنيتها الثيولوجية (اللاهوتية). 
 
هذا يعني أن "الجمهورية" أبعد من أن تكون كلمة فارغة يسهل سرقتها وفصلها عن مادتها التاريخية والروحية التي تجد مرجعيتها الأولى في الثورة الأم 26 سبتمبر. 
إنها ليست مجرد كلمة، 
إنها رمز وجود وخَلْق بالنسبة لليمن الحديث، 
أو شفرة دقيقة تختزن في داخلها شحنة هائلة من الرؤى والأفكار والمفاهيم والذكريات والتطلعات والعواطف والصور والألحان والأذواق وكل الحقائق الجديدة العزيزة.
 
بالله عليكم، ما هي الجمهورية في اليمن، وما قيمتها، إذا لم تكن شيئاً آخر على الضد من الاصطفاء والولاية والحق الإلهي؟
 
إن من يقول "جمهورية" دون أن يكون هذا في صميم معناها، سيكون مجرد أضحوكة.
 
فالجمهورية لا تتعارض مع شيء أعظم من تعارضها مع الأنظمة والحركات والأفكار والصيغ السياسية اللاهوتية!
 
*صفحته على فيسبوك

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية