تحليل | الهجمات الإرهابية الأخيرة في اليمن.. هل يقف "القاعدة" منفردًا وراءها؟
كان تنظيم القاعدة الإرهابي جريئًا إلى حد كبير في تبني الهجمات الإرهابية التي يشنها في اليمن دون تحفظ، بما هو عكس الحاصل الآن، مع تكيّف المُنظمة الإرهابية على أسلوبٍ جديد يتوقف على تنفيذ الهجمات الدامية بكثيرٍ من الغموض، ما يترك الباب مواربًا لمزيد من التساؤلات حول السبب الذي جعل "التنظيم" يتخلى عن تقاليده في تبني الهجمات دون تأخير؟ وما إذا كانت هنالك عوامل مؤثرة وراء هذا الإحجام؟
يذهب البعض إلى مقاربة العديد من الاحتمالات في ما يخص تصعيد هذا النوع من العمليات ذات الطابع الإرهابي، وتركزها "قَصدًا" في مناطق معينة من البلاد، في حين لا تزال العديد من الأسئلة الشاغرة بحاجة لبُعد نظر وكثير من التفسير لمعرفة ما إذا كان "القاعدة" يقف منفردًا وراء هذه العمليات، أم أن المسألة لها ثنائية غامضة يستدعي الوصول إلى فحوها تعمُّقًا في فهم طبيعة الهجمات الآخذة في التصاعد؟
يوم أمس الأول، قُتل 5 جنود وأُصيب 7 آخرون من قوات "دفاع شبوة" في حاجز أمني عند المدخل الشرقي لمدينة عتق، وحتى الآن لم يعلن أي طرفٍ تبني العملية الإرهابية التي تزامنت مع عملية أخرى بذات الطابع استهدفت جنودًا على الخط الساحلي بين منطقتي أحور والخبر بمحافظة أبين، ونتج عنها مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثلاثة آخرين.
قبل أكثر من شهر، تحديدًا في الحادي عشر من مايو الماضي، قُتل القيادي البارز في القاعدة يونس القشعوري بنيران قوات دفاع شبوة باشتباك مباشر في مدينة عتق، والاثنين الماضي اعترف التنظيم الإرهابي بمصرع القشعوري رسميًا، أي قبل يوم واحد من استهداف الحاجز الأمني لـ"دفاع شبوة"، وفي هذه الحالة لا يُستبعد أن يكون التنظيم قد أراد جاهدًا استعادة معنوياته المثبطة بدافع الانتقام بعد أن تراجعت حظوظه وضعف تأثيره جذريًا منذ العام 2016 بشكل مطّرد.
على ما يبدو، يحاول التنظيم الإرهابي إرسال رسائل دامية بين الفينة والأخرى للتأكيد على أنه ما زال قويًا أو قادرًا على العودة؛ لكنه ومنذ خسارته أكبر معاقله في المكلا بحضرموت عام 2016م، ثم اجتثاثه من شبوة وأبين بعمليات عسكرية دعمها التحالف العربي، تزامنًا مع تكثيف الغارات الجوية لطائرات الدرونز الأمريكية على معاقله ومسؤوليه؛ واجه شللًا تنظيميًا وحالة إرباك قوّضت إمكانياته في العودة إلى المشهد بنفس التأثير السابق.
بعد سيطرة مليشيا الحوثي على محافظة البيضاء، المعقل التقليدي لتنظيم القاعدة، لجأ الأخير إلى تشييد قدراته المحطمة وتجميع قواه المنهارة من جديد بتسهيلات من الحوثيين أنفسهم الذين أبرموا صفقات سرية مع "القاعدة" وأفرجوا عن العشرات من عناصره لإعادة لملمة التنظيم المُتهالك ومنعه من التشرذم في ظل تداخل المصالح الإرهابية بين كلا الجماعتين (أي الحوثيين والقاعدة)، عوضًا عن رغبة الجماعة المدعومة من إيران في استخدام التنظيم لضرب استقرار المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.
في مايو الماضي، هاجم تنظيم القاعدة معسكرًا لقوات الحزام الأمني في محافظة الضالع ما أسفر عن مقتل ضابطين بارزين في الحزام. وقالت وزارة الداخلية إن المجموعة الإرهابية التي نفّذت الهجوم ولقي جميع عناصرها مصرعهم، تسللت من مديرية "جُبن" التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي، حيث تشكل (جُبن) معظم الحدود الإدارية لمحافظة الضالع مع البيضاء، ما يدل على أن الهجوم انطلق أساسًا من البيضاء.
كان قائد الهجوم على معسكر الحزام الأمني في الضالع قيادي في القاعدة يُدعى "سليم المسن" والأخير حليف بارز للحوثيين منذ العام 2016م، وسبق أن توارى عن الأنظار منذ 2019 عندما أشاع الحوثيون أنهم اعتقلوه في يوليو من ذات العام، بهدف صرف الاهتمام عنه، وتهيئته بعيدًا عن الأنظار لتنفيذ "مهام دامية" مخططٍ لها؛ لكن الحظ لم يحالف "المسن" الذي صُرع في بادئ ظهوره المستجد.
بالأصل، لا يخفى البتة أن ثمة تحالفًا يجمع القاعدة والحوثيين، فبالقدر الذي يساعد فيه الحوثيون التنظيم الإرهابي على النهوض من جديد بعد سنوات من التيه والضياع؛ لا يتردد الأخير في "رد الجميل" عبر تبادل الأدوار بديناميكية منسقة يحصل بموجبها التنظيم على الإمكانات والدعم والمناخ الملائم لـ"العودة" من قِبل الحوثيين، على أن يستجيب هو لتنفيذ هجمات بالإنابة عن الجماعة المليشاوية دون تبني.
بالعودة لتقرير بحثي نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في ديسمبر 2021، يشير التقرير إلى أن صفقة ثلاثية لتبادل الأسرى بين إيران والحوثيين من جهة، ومن جهة ثانية تنظيم القاعدة أفرج بموجبها الأخير عن العديد من أسرى الحوثيين إضافة إلى "نور أحمد نيكبخت"، وهو دبلوماسي إيراني اختطفه تنظيم القاعدة في اليمن واحتُجز هناك منذ عام 2012م، مقابل إفراج إيران عن القيادي في القاعدة سيف العدل، المعتقل في إيران منذ عام 2003، وإطلاق الحوثيين العديد من قادة تنظيم القاعدة في صنعاء.
بالنظر إلى المناطق والجهات المستهدفة بهذه الهجمات، يتضح أن هنالك تخطيطً عالي المستوى في توجيه عمليات القاعدة نحو جهات ومناطق معينة لإحداث هزات ارتدادية يعتقد الحوثيون وإيران أنها ستؤثر على حالة الوئام السياسي في ائتلاف مجلس القيادة الرئاسي الذي جمع خصوم المليشيا الحوثية في معسكر واحد منذ اندلاع الحرب، ما شكل إزعاجًا للحوثيين الذين استفادوا من حالة الفُرقة بين الأطراف اليمنية قبل تشكيل المجلس الرئاسي، واسشعروا خطورة تكاتف هذه القوى في مواجهتهم.
يُراهن الحوثيون على استخدام تنظيم القاعدة لخفض تمثيلهم المباشر في الهجمات الغادرة، وإشغال "القيادة الرئاسي" بالتعامل مع فوضى القاعدة بالمحافظات المحررة، وليس خافيًا أن للحوثيين مآرب أخرى في استخدام بدائل أقل كلفة (القاعدة) لإثارة الفوضى في المناطق المحررة وإظهار المناطق المحكومة من قِبلهم بالحديد والنار بشكل يسعون عبره إلى إبداء أن العكس هو الصحيح؛ ومن الواضح أنهم استفادوا أيضًا من واقع الهدنة في تعزيز ارتباطهم بالقاعدة ورفع كفاءة التنظيم في ما يخدم أهدافهم الفوضوية.