سأكتب اليوم عن نوع خاص ومعنى مختلف لشيء اسمه الخسارة الموجعة ،فقيدنا المبدع ، فقيد الصحافة والمقاومة الوطنية الزميل الأستاذ أحمد الرمعي الذي أستشهد في الساحل الغربي وهو يحاول مد ابتسامته وروحه جسورا وأشرعة لإنقاذ المواطنين الذين تضرروا من كارثة السيول.
 
أحمد الرمعي قصة مختلفة وشخص استثناء صاحب بديهة وعقلية ناضجة صقلتها  القراءة والتجربة والوعي المتقدم.
 
عرفته في صنعاء وتحديدا منذُ العام 2010 في صحيفتيّ الميثاق و26 سبتمبر وكل فعاليات المؤتمر والحراك الثقافي عموما.
عرفته في مقهى مدهش في التحرير ومقاهي الصافية، في جلسات مقيل وود ومهرجانات إبداع.
 
أما معرفتي الأكثر قُرباً ووقعاً واثراً في نفسي ( لم ولن تمحها كفُّ الزمن) فقد كانت أثناء وبعد خروجنا من العاصمة صنعاء بعد ثورة الشهيد الزعيم الصالح (2ديسمبر2017 ).
 
ذقنا الحلو والمُرّ معا ، أقمنا في جناح واحد (فندق سماء الإمارات) تشاطرنا كل ما كان يجول بخواطرنا..
وأسجل هنا أن من أهم مميزاته ، أننا كُنّا كلما ضاقت بنا الدروب وشعرنا بلحظة انكسار عابرة يظهر أحمد الرمعي يبدد أي شعور من ذاك، ويذلل كل صعب بأسلوب ذلك العارف الجميل سُرعان ما يُخرجنا من ضائقة الهموم إلى رحاب الأمل الفسيح.
يعطينا نكتة ، حكاية، قصة.
شخص يستطيع أن يسرد لك حكايات في غاية الروعة عن الصحافة والصحفيين والأدباء والكتاب ونخب السياسة منذُ مطلع الثمانينات وحتى تلك اللحظة التي يتبوأ فيها منصة الحديث، حديث الإبهار لدرجة أننا نتعب من كثر الضحك.
 
وفي المساء وفي أحايين كثيرة  نظل نتحدث عن صغارنا باسل وغيداء، مازن وحلا.
وأتذكر بأننا كنّا نشرك هذه المشاعر المسائية الأستاذ القدير محمد أنعم والأستاذة أحمد غيلان ، عبدالولي المذابي، سامي غيلان ، كامل الخوداني،  عادل صالح النزيلي ، يحيى العابد، فارس الصليحي، أنور العامري ، وغيرهم.
وغالبا ما لُذنا إلى الأستاذ محمد أنعم..نقتحم غرفته ومن ثم نفضفض.
 
بقينا طيلة تلك الأشهر( في عدن).. فرحنا معا وحزنا معا..صغنا أخبار جمهوريتنا وأهداف خروجنا ومشروعنا ومقاومتنا معا.
سبحنا سويا في شواطئ عدن وبحور النضال والكد والكفاح والمغالبة.
 
أضيف عذرا:
 
وتبقى أبرز صفات الشهيد الرمعي مقدرته العالية للتكيف مع المواقف الصعبة ومواجهتها بالنكتة والخبرة والتجربة وعدم الاستسلام لأي ظرف كان.. رجل يصنع الابتسامة والحكاية الجميلة في أصعب الأوقات وأقساها.
 
كما أنه لم يكن من أولئك الصحفيين والمثقفين الذين يبحثون عن أكثر من قوت يومهم وما يمشّون به حالهم حتى تشرق شمس صباح اليوم التالي.
أي مبلغ في جيبه سيصرفه على نفسه وعلى من شعُر أنه في حاجة.
 
أعترفُ أني حينما تلقيتُ خبر وفاته من زوجته التي أبلغت زوجتي (قريبتها) صُعقتُ، اهتز كياني وسريعا ما عادت بي الذاكرة لشريط الأحداث والأيام الخوالي في مقهى مدهش والصافية وعدن والساحل.. استرجعتُ بريق أحمد وسط ذهول وحيرة وارتباك وحالة من السباق الواعي واللاواعي مع ذاتي ومع الأحداث التي أعادت لي صياغة جديدة لشخصية متجددة وعميقة وروح أُفقها المجرات البعيدة.
 
عجزتُ الكتابة عنه يومها وظليتُ قريبا من زوجتي أطالبها باستمرار للقيام بإجراء مكالمات ورسائل بزوجته (ابنة قريتي) وتجمعنا صلات رحم وقربى.
 
كنتُ أطلب من زوجتي فتح أي قناة تواصل بامرأة عظيمة مكافحة طالما أثبتت أنها من طينة النساء ، الصابرات، المختلفات.
لكن هاتفها خلال ذلك الليل الطويل ظل مغلقا.
 أردت وأسرتي الوقوف معها، مع " مازن"  و" حلا"...وكل أشقائهم..لقد أردنا أن نواسيهم ويواسونا، نخفف فاجعة الفقد بأي شكل، كي نتجاوز هذا الابتلاء بالصبر واستعادة أحمد معا. غير أن أحمد كان قد أتخذ قرر الغياب الأبدي فجأة.
وبقت روحه وفكره وبساطته وفلسفته في الحياة التي أعتقد أنها ستظل منهجا وبرنامج حياة لأولاده ومحبيه.
 
ولِمن لا يعرف الكثير عن سنوات الشهيد الأخيرة.. لقد كان من الطلائع الأولى التي انحازت للجمهورية والثورة والحرية..عانى وعانينا كثيرا حتى وصلنا عدن.
تشكلت المقاومة الوطنية في الساحل الغربي وكان في مقدمة الصفوف بقلمه وضوء روحه وعقله وتجاربه الحافلة وضع كل شيء لخدمة الهدف الكبير ( استعادة الجمهورية) ختم حياته بشرف النضال وفخر الشهادة.
بكيته كثيرا وسهرت - وما زلت- وأنا أستذكر أحمد، صورته وطيبته وفكاهته وإبداعه..وحينما شُيع في ساحل العزّة في ذلك الموكب المهيب الذي يليق بكبير مثله تجدد فقدي له وخسارتي إياه.
وأزعم أن الإحساس هذا  مختلف قليلا عن البعض.. لسببين الأول:
 فقدت زميلا وصديقا وأستاذا ملهما وفقدته المقاومة التي أنتمي لها.
وثانيا: فقدته كباقي الأقارب ( وأي فقد وشعور هذا)؟

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية