يحتفل الحوثيون بما يسمى يوم الولاية أو الغدير، ومن حيث المبدأ لا مشكلة في إحياء أي جماعة سياسية أو ثقافية أو غيرها مناسبات تعتقد استحقاقها التبجيل، لكن هذا لا يعطيهم الحق في مصادرة الحقوق العامة للمواطنين وإجبار اليمنيين على التطبيل لواحدة من أكبر عمليات الافتراء الديني وإخراجهم من جلدة المكتسبات الديمقراطية وعصر الإرادة الشعبية والحقوق الإنسانية إلى أوحال الخرافات الكهنوتية ومجاهيل الاصطفاء الإلهي وأدغال العبودية.
 
على غرار ديانات سابقة، من بينها اليهودية، لجأ فكر الولاية إلى قولبة نصوص دينية تعيد إنتاج الكهانة برداء إسلامي، يمكنها من غرس قبول الوصاية الروحية والسياسية في نفوس الأتباع.
وفي الموضوع طرحت قديما وحديثا الكثير من الانتقادات التي تؤكد تعسف التفسيرات وأن نظرية الولاية في أفضل حالاتها فرية سياسية، ولسنا بصدد تناول تلك الطروحات لزيادة تشعباتها ولوفرتها على الشبكة العنكبوتية،وما يعنينا هنا بعض تداعيات الخرافة في رمي اليمنيين خارج إطار مكتسبات جهدوا في تحقيقها لعقود.
 
المساواة أبرز ضحايا مذبحة الولاية، وأول رؤوس الحصاد الحوثي في مسيرة ارتداده عن العصر الجمهوري إلى غياهيب إمامة الخرافة والكهنوت.
 
صحيح أن المنظومة الثقافية والاجتماعية اليمنية ما زالت أسيرة السلالم الطبقية، من عهود أسهمت الإمامة في رسم ملامحها، غير أن الثقافات رغم ثباتها النسبي تتبدل كونها وليدة ملابسات اجتماعية وقت صدورها، غالبا لا تصلح في أزمنة لاحقة.
جديد قضية الولاية أنها كبلت الواقع المتغير بتفسيرات دينية مطلقة تثبته خلافا لحقيقة حركة الحياة، واصطدمت بالمساواة المبدئية بين البشر، الأساس المتين للأديان السماوية وعلى رأسها الإسلام، وناقضت معايير بناء الأديان التفاضلات الإنسانية على قواعد موضوعية عادلة لا علاقة لها بعوامل طبيعية خارجة عن الإرادة الإنسانية كالمولد أو اللون، وهذا مربط الفرس، كما يقال، في خطورة كارثة الولاية.
 
عكف الحوثيون على ترجمة عملية للنظرية الكهنوتية، كنتيجة طبيعية ولازمة لها، في مسار حرمان اليمنيين من حق المساواة لصالح امتيازات أقلية تدعي انتسابها العرقي للنبي.
 
حسب نظرية الولاية، فإن دائرة السلطة الدينية والسياسية الأعلى مغلقة على ولي الأمر، الذي يجب أن يكون من منتميي العرق المزعوم المختار بإرادة إلهية، ولا دخل للشعب وإرادته في هذا المستوى من السلطة.
 
ولتعزيز الهيمنة السياسية رفدها الحوثيون، بقوة اقتصادية شرعنوها بلائحة الخمس، كنتيجة أخرى للولاية.
 
ربما تبدو فرية الولاية مجرد معتقد ديني لا ضرر منه ولا غبار عليه، الحقيقة عكس ذلك تماما لأنها نظرية سياسية محضة في جوهرها، بقشور دينية، تتجلى تطبيقاتها من خلال إدارة الحوثي العنصرية للدولة في هذه الظروف الاستثنائية فما الحال إذا قدر له سيطرة آمنة على السلطة.
 
لم يعد بمقدور اليمنيين إرهاق جيوبهم الفارغة إلا من بقايا فتات، يقتاتونه وأطفالهم، لتمويل مناسبات طائفية لا تنتهي ولا سند لها غير معلبات اعتقادات مستوردة من مدينة قم خلف الحدود وخلف التاريخ، بينما غدير خم براء من حمل مزاعم ولاية سلالية ما أنزل الله بها من سلطان.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية