جائحة عابرة للحدود، أخذت في طريقها الأغنياء قبل الفقراء، استنفرت العالم ووحدته في خندق المواجهة، وتدارك سقوط الجميع في مجاهيل "كورونا". وبمقابل الانشغال العالمي بحرب الفيروس والنظر للموضوع على أساس بعده الإنساني والصحي، تركز جماعة الحوثي، سيرا على الخط الإيراني، على المشكلة فقط لأجل تحقيق نقاط سياسية وإيجاد حفلة دعائية لإحياء نظرية المؤامرة.
 
لست هنا في معرض الدفاع عن أحد، فلكلٍ وسائله الكافية، وكل معني بأمره موكول إلى نفسه، فما يهم هو الإسهام بأي قدر كان في إجراء نقاشات حول صلف استخفاف إيران ووكيلها في اليمن بعقول شعوب تدعي تمثيلها والحرص عليها، فلا ينبغي لوباء الرئتين أن يصل إلى أدمغة البشر.
 
حتى نكون موضوعيين، فإن "كورونا" أتت، فيما أتت عليه، على الاقتصاد والرياضة والسياسة وربما ستدخل تعديلات على الثقافة العالمية في مناحي قد تكون النظرة لطبيعة التكافل الدولي الحالية إحداها.
 
ربما خرج "كورونا"  من مراكز بحث إحيائية، منها ما يرتبط بمؤسسات تسليح وجيوش، إلا أن طريقة انتشاره وسرعتها وتغطيته معظم خارطة العالم يؤكد أنه شبّ عن طوق السيطرة، وأن الجميع بات تحت وطأته، وكيفما كانت ولادة الفيروس، من بطون الأفاعي أو الخفافيش، أو من أنابيب المختبرات، فقد تحول إلى ظاهرة إنسانية، تصبح معها نظرية المؤامرة هرطقة فارغة.
 
تحدث بيت الجرافي الإيراني عن كورونا كأداة لاستهداف الأمن النفسي لجيل " الثورة الإسلامية"، وفي اليمن صرح "خدام خدام بيت الجرافي" عن معلومات بانتشار الفيروس وسط مقاتلين يمنيين في ميدي بالقرب من الحدود السعودية، في إيحاء تعبوي سياسي لأنصاره وللمساحات المتذبذبة من اليمنيين، متجاهلا إعلانات متجددة لمنظمة الصحة العالمية، المحايدة، والضليعة في الميدان الصحي الدولي من حيث الخبرة والإمكانيات، والتي أسهمت بنشاط في التأكد من خلو اليمن من كورونا عبر فحص المئات من الحالات المشتبه إصابتها بالفيروس.
 
هذا قبل أسبوع، ومؤخرا أخفى الحوثيون منشورات لأطباء في مناطق سيطرتهم وإعلاميين تابعين، كشفت وجود حالات في صنعاء.
 
خدعوا اليمنيين بالحديث عن انتشار الفيروس في مناطق خارج سيطرتهم، وتكتموا، مثل الإيرانيين، على وجود حالات في نطاق سلطتهم، لأنهم وضعوا المسألة، في عقول أنصارهم، داخل مربع المؤامرة، وفي عهدة التأييد الإلهي والثأر من خصومهم، وخصومهم هنا هم معظم اليمنيين ومعظم العالم.
 
دأبت الجماعة الحوثية على تقليد الإيرانيين في توظيف، حتى مال لا يمكن توظيفه، لخدمة سياسة وضع كل شيء، وأي شيء، في دائرة المؤامرة والاستهداف، لإعادة غراءات التماسك بين الموالين في مواجهة محيط شعبي متذمر ومنتظر لحظة الانقضاض.
 
أجهزة السياسة الحوثية ومن جرتها، طوعا أو كرها إلى مستنقعها، تتحدث عن أربعة آلاف، أو يزيدون، مغترب يمني أعادتهم السعودية إلى اليمن، في استهداف الشعب اليمني بكورونا، وحتى يصدق التوجيه الحوثي للحالة ينبغي تزويد اليمنيين ببيانات عن تدفقات المغتربين من السعودية قبل كورونا، خصوصا في مواسم ما قبل رمضان والأعياد الدينية لقضاء إجازاتهم مع أسرهم.
 
قبل أيام أعلن الحوثيون عن إسقاط طائرات التحالف صناديق تحوي كمامات و"أشياء أخرى" في الحديدة والمحويت وصنعاء، وكالعادة الإيرانية، أدخلوها في مضمار الأعمال العدائية والمؤامرة على صحة شعب أفقره الحوثيون حتى من كمامات قماشية، وعجز في عهدهم المشؤوم عن القضاء على أوبئة تقليدية. 
 
تخيلت أن آلاف السعوديين تفرغوا لفرك "كمامات المؤامرة" بأدوات المصابين في بلدهم، ثم وضعها في صناديق وتسليمها لعمال النقل ثم العهد بها إلى الطيارين، دون أن تكون هذه السلسلة من السعوديين عرضة كذلك للإصابة.
 
لا أعتقد أن من مصلحة السعودية أن ينتشر الوباء في بلد بحدود جغرافية بأزيد من 1500 كيلومتر معه، وباحتكاك مباشر بين سكانه ومئات المهرَبين من اليمنيين، يوميا، عبر الحدود، وأكثر من مليون مغترب يمني متواجد على أراضيها، في وقت لم تستطع إمكانيات دول العالم الأول تجنب الجائحة وبينها وبين الصين، بؤرة الفيروس، آلاف الأميال البحرية.
 
حول الحوثيون الوباء إلى فرصة استثمارية في المزيد من عمليات نهب ما بقي لليمنيين من أموال، وهذا ديدنهم مع كل مأساة، لكنهم لم يكونوا بحاجة للوصول بخسة الطباع إلى حد الضحك على اليمنيين بأن جائحة الكرة الأرضية هي مؤامرة عليهم وعلى أسيادهم في قم، من جانب، وانتقام إلهي لهم، من جانب آخر.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية