ما هي رسالة ووصية الشهيد البطل خالد الدعيس لليمنيين وناقوس الخطر الذي دقه؟
الشاعر والبطل الحميري الثائر خالد عبد القادر الدعيس يجسد شخصية اليمني الأصيل الراسخ في الطبيعة والتاريخ الذي لا تنحني هامته لجماعة سلالية عنصرية محتلة للأرض، ناهبة للمقدرات ترفض أن يبدأ مستقبل الشعب اليمني وممارسة حقه في الحياة كأي شعب آخر يمارس حياته وحقه فيها دون أن يسلبه ذلك أحدهم أو يخطفه ويعطل عقله ويشغله بإمور ونوافل وخرافات وعلى رأسها خرافة وكذبة الولاية الكبرى.
لقد عرف هذا البطل من هي الحوثية والإمامية وما تمثله من خطر حقيقي ووجودي على اليمن أرضا وإنسانا وهوية.. ونتيجة لإحساسه العالي بهذا الخطر ووطنيته الشديدة التوهُّج، فقد ظل طوال 16 شهرا يتنقل بين مأرب وقعطبة يبحث عن فرصة ينخرط من خلالها في أي تشكيل مسلح ومقاوم لطاعون الإمامة.
ولم يجد هذا الفارس من يفهمه أو يقرأ طلبه وخطابه الذي أشكل على المعنيين وكأنه كُتِب بخط المسند القديم الذي لا يقرأه ويعشقه إلا أمثاله.
ومع ذلك لم يستسلم لأنه أصلا ينتمي لأسرة حميرية عريقة، مدركا- كما كان أبوه عبدالقادر وجده - حقيقة الحوثية الإمامية التي ترفض انخراط اليمنيين في المستقبل وتُمعن في إغراق حياتهم بالدجل والطلاسم مستحضرة تاريخها البغيض الشبحي، تماما كما يستحضر السحرة والدجالون والعرافون الأرواح والغيبيات.
ولو لم يكن لهذا الثائر إلا حسنة وفضل تعزيز قناعة وجوب توحُّد كل أبناء الشعب في مواجهة عدوهم اللدود والمشترك (الحوثي)، فهذا يكفيه.
محذرا الجميع من الاستمرار في السير على عرجون الخلافات وعدم تقديم تنازلات لبعضهم البعض من أجل إيجاد اصطفاف يمني واسع، البديل عنه هو تثبيت الحوثية وركائز الاستبداد والتوحش.
وهذا الأمر يذكرني بمقولة للأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل:" ظلام الليل كله لا يستطيع أن يطفئ نور شمعة، لكنه يستطيع ذلك إذا تحالف مع هبة رياح".
وبتأمل سريع ربما أن هذا ما نقوم به منذُ أربع سنوات من خلال شتاتنا، ومات قوم به الحوثية في المقابل من استثمارات ناجحة وبأقل جهد لهذا الشتات من جهة، ومن جهة ثانية تحالفاتها ليس فقط، مع هبات رياح خلافاتنا لإطفاء شموعنا، وإنما حتى مع الصهيونية والنصرانية والشيطان الرجيم نفسه.
على أية حال لا نضيف جديدا إذا ما قلنا إن معظمنا يعلم ما أكده الثائر الدعيس حينما شدد على حقيقة (أن الإماميين أعداء أزليون لليمنيين، فبمجرد أن استقروا في بلادنا- كما قال- انبعثوا انبعاث أشقى ثمود، فعقروا الذمة ونقضوا الفطرة وخالفوا العرف وانفكوا يبذرون الفتنة الشيطانية ونعرة "أنا خيرٌ منه".
ويبقى الأمر الأهم والتاريخي فيما قدمه لنا قبل استشهاده بساعات والمتمثل في كيفية انتصار المرء لوطنيته وحقه.. فكلما تجرد من الذاتية وعُقد الماضي واخلص لقضيته وتماهى معها بدون أي مساحيق أو بحث عن أسباب ومبررات توهن القوى وتُثبّط العزائم ،كلما انتصر وتقدم للأمام.
وسواء صرّح، أو لمّح بجوهر الحوثية وأماط اللثام عن وجوهها القبيح أو لم يفعل ذلك رغم أنه فعل الكثير، إلا أنه وبلغة وطريقة ما استطاع أن يوصل رسالة ووصية خالدة لهذا الجيل والأجيال اللاحقة مفادها أن هذه الجماعة ليست إلا تاريخا ظلاميا متصلا ببعضه قد يدور حول نفسه وينحني ويظهر ويختفي، إلا أنه لا ينقطع.
نضيف ونقول: برغم فقدنا لبطل وتُبّع حميري من خامة وطينة خالد الدعيس، إلا أننا نعتقد أنه صار أيقونة نضال وجرس إنذار وإلهام لشباب اليمن الذين نظروا له اليوم كقدوة وقبس ضوء في هذا النفق المظلم الذي تُهنا بين قِطعه وأغواره الموحشة والباردة.
وصحيح أن استشهاده أيضا، يُعتبر خسارة كبيرة لليمن وحمير، إلا أنه مثل أولا: عِبرة لمن أراد أن يعتبر، وثانيا: كان سببا في انتشار دعوته وصيحته في وجه كل يمني شريف ولسان حاله يقول فيها: "اخجلوا على أنفسكم أيها اليمانيون.. ارحموا أنفسكم من هذا الهوان والذل والارتهان لغرائز الكراهية والانتقام فيما بينكم.
توحدوا يا أبناء حمير .. تناسوا المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري والحراكي والانتقالي والشافعي والزيدي وأصحاب مطلع واصحاب منزل وتذكروا أنكم تنتمون لحمير وسبأ ومعين ولليمن العظيم الذي يعبث به الحوثي وبأهله وأنتم تهيمون على وجوهكم بدون هدف وبوصلة وهدى.