شكلت الحديدة كمدينة يمنية ذات موقع استراتيجي على ساحل البحر الأحمر هدفا لإمبراطوريات متعاقبة اجتاحت الحديدة المسالمة بجبروت القوة وأطماع التواجد في رقعة مهمة من أرض اليمن والجزيرة العربية.

 

جعل العثمانيون الحديدة عاصمة لهم في اليمن واجتاحها الإنجليز وقبلهم البرتغاليون والفرنسيون والطليان والإسبان وجاءت طهران لتتوج هذه المطامع باجتياح جديد عبر ذراع إيران في اليمن مليشيات الحوثي الانقلابية في عصر ذابت فيه الحملات الاستعمارية العابرة للقارات والحدود.

 

وتفيد المراجع التاريخية أن مدينة الحديدة تأسست في القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي وتنسب إلى إحدى فخوذ قبيلة المعازبة وهو الحُديد بن يعقوب بن مارغ من معزب، وإن كان بعضهم يرى أنها تعود إلى ما قبل الإسلام بناء على التأويل اللفظي وإن كان آخرون يرون أنها كانت تسمى البيضاء قبل الحديدة.

 

ويقول المؤرخ والباحث اليمني أ.د عبد الودود مقشر إن ما يصادفه المرء في دراسة تاريخ الحديدة أنها على مر التاريخ تعرضت لكوارث ومصائب وأمراض وأوبئة طبيعية تكاد أن تكون هذه المدينة في خبر كان، والأعجب والأغرب أن هذه المدينة بالذات تعرضت لكل أنواع التدمير من قبل الإمبراطوريات والدول الكبرى عبر التاريخ.

 

وعاصرت الحديدة الدولة الزيادية والنجاحية والمهدية والأيوبية والرسولية – والتي بدأ التاريخ يسجل ما تعرضت له هذه المدينة – والطاهرية ثم دولة الجراكسة (المماليك) والتي قصفتها لأول مرة بالمدفعية وأحرقتها ثم العثمانيون، وتعرضت للقصف والإبادة والتدمير على أيدي القوات الصليبية البرتغاليين والإسبانيين والفرنسيين والإيطاليين والبريطانيين.

 

ويشير المؤرخ مقشر إلى أن قراءة بسيطة لقصف خلال الحرب العالمية الأولى من خلال الوثائق تثبت حرق الحديدة وتدميرها بشكل شبه تام وتشرد أبنائها في مدن تهامة الداخل واستقرارهم إلى الآن، ما هذه المدينة ...إنها أعجوبة بل هي نار برمثيوس، عشرات المدن والموانئ دمرت وانتهت فوراً إلا الحديدة، تعاد من جديد بل أقوى!!

 

جغرافياً تقع محافظة الحديدة في الجزء الغربي من اليمن، وتمتد علي الشريط الساحلي الغربي المطل على ساحل البحر الأحمر بين خطي طول (42-43) شرق جرينتش وبين خطي عرض (14-16) شمال خط الاستواء.

 

وتبعد الحديدة عن العاصمة صنعاء مسافة تصل إلى حوالي (226) كيلو متراً وترتبط بحدود مع 7 محافظات يمنية، ومن الغرب تتكئ الحديدة على البحر الأحمر وتعد ثاني محافظة من حيث عدد السكان بعد تعز وبنسبة نمو سكاني سنوي يصل إلى %3.25 .

 

وتتوزع مساحة الحديدة في ستة وعشرين مديرية، وتقع معظم أراضي المحافظة في المنطقة السهلية لساحل تهامة الذي يمتد من اللُّحية في الشمال إلى الخوخة في الجنوب بطول (300 كم) وعرض يتراوح بين (60 - 150 كم).

 

ومنذ الاجتياح الحوثي للحديدة ترزح الحديدة تحت سطوة وسلطة انقلابية غاشمة تنفذ أجندة توسعية استعمارية إيرانية برداء يمني حيث جعلت طهران من المليشيات الحوثية أداة طيعة لتنفيذ مشروعها في اليمن للإضرار بالمنطقة والأمن القومي الخليجي والعربي.

 

استغلت طهران وجود الحديدة إلى جوار المصالح الدولية على البحر الأحمر لتحويل الساحل الغربي إلى خط إمداد وتمويل بالسلاح والذخائر والتقنيات والمعدات المرتبطة بالصناعات العسكرية لتعزيز قوة المليشيات الحوثية، وإطالة عمر تواجدها في اليمن خدمة لمشروعها الجديد في المنطقة بعد صناعة حزب الله في لبنان.

 

وبعد اجتياح المليشيات الحوثية للحديدة وتمددها إلى مناطق تهامة سارعت طهران إلى عرض خدماتها المجانية للمليشيات وبشكل علني للتواجد في الحديدة وموانئها والمساعدة في بناء وتدريب مؤسسات وخبرات حوثية في مجالات مختلفة.

 

وزار الصريع صالح الصماد في مارس 2015م طهران على رأس وفد رفيع من مليشيات الحوثي لبحث مشاريع مشتركة ونقل الخبراء الايرانيين إلى الحديدة ومناطق اليمن.

 

وأعلنت طهران حينها أثناء الزيارة عن توقيع اتفاق مع مليشيات الحوثي رغم أنها غير شرعية ولا يجب التعامل معها كبديل للدولة والمؤسسات الرسمية.

 

ويشمل الاتفاق توسيع ميناء الحديدة وتواجد الخبراء الإيرانيين في الميناء وإدارة عملية النقل البحري إضافة إلى إنشاء محطة لتوليد الكهرباء ومد صنعاء بالنفط لمدة عام كامل.

 

وأرسلت طهران خبراء لتدريب الكوادر الحوثية في مجالات خدمية والنقل والصيرفة والتجارة والصناعة، إضافة لتشكيل فرق فنية من الطرفين لتنسيق مشاريع عسكرية وأمنية مشتركة.

 

ومن ثمرات الاتفاق أرسلت طهران سفينة إيرانية تحمل 160 طنا من الأسلحة والذخائر رست في ميناء الصليف بالحديدة، وسبقتها سفينة تحمل شحنة سلاح أوكراني ادعت المليشيات أنها تابعة لوزارة الدفاع بينما أكدت المعلومات لاحقا أن الشحنة لها علاقة مباشرة بالحرس الثوري الإيراني.

 

وكانت تلك بداية التوغل الإيراني في الحديدة واستثمار الموقع الاستراتيجي لصالح المشروع الفارسي بأدواته الحوثية لتهديد الأمن القومي العربي وأمن البحر الأحمر والممر المائي الدولي من خلال التواجد على الشريط الساحلي اليمني الغربي الذي يمتد من باب المندب إلى ميدي.

 

ومثلت الحديدة شريانا مهما للمليشيات الحوثية من حيث عمليات تهريب السلاح الإيراني وجباية إيرادات الحديدة الوفيرة واستخدامها وقودا للمجهود الحربي للمليشيات على مستوى اليمن كلها وليس الحديدة فقط.

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية