يشعر تلاميذ كهف مران بمرارة عقدة النقص_ رغم مناصبهم في هرم سلطتهم الانقلابية_ إزاء افتقارهم لمؤهلات جامعية ودرجات علمية؛ ما دفعهم لاجتياز تلك العقدة من خلال نفوذهم على الجامعات التي غدت مسرحاً لعبثهم واستخفافهم بعد أن كانت صروحاً علمية ذات تاريخ مرموق ومكانة علمية.

أُجبرت جامعة صنعاء على الرضوخ وابتلاع الإهانة رغماً عن تاريخها ومكانتها وقوانينها العلمية الصارمة، مستسلمة لطاحونة الهدم تدك أنظمتها ولوائحها منذ مطلع العقد الانقلابي، لكن فضحيتها العلمية الأخيرة كشفت سوء حالها ومدى سقوطها، والمتمثلة بمنح مهدي المشاط درجة الماجستير في العلوم السياسية، ومناقشة رسالته في القصر الجمهوري من قِبل لجنة المناقشة، وكانت هذه السقطة المريعة كفيلة بفضح جذور القصة منذ ميلاد فكرة معالجة العقدة في ذهنية قادة المليشيات.

ذكرت التسريبات أن في 2019 قُدمت إلى قسم العلوم السياسية بكلية التجارة بجامعة صنعاء ستة ملفات مُذيلة بأسماء: مهدي المشاط وأحمد حامد وضيف الله الشامي وآخرين للالتحاق ببرنامج الماجستير بأوامر من رئاسة الجامعة، دون أن يكون من بين أوراق الملفات وثائق الشهادات الثانوية والجامعية، فاستنكر أساتذة القسم هذا الطلب ورفضوا تمريره لمدة عام، ونظراً لما أصبح عليه التعليم الجامعي هناك؛ استطاع أصحاب تلك الملفات استخراج شهادات جامعية مزورة من جامعة دار السلام، ومعاودة التسجيل من جديد وقبول طلباتهم من قِبل كادر آخر للقسم غير الكادر الذي رفض سابقاً، وجاءت مناقشة رسالة المشاط لتُظهر للعلن حجم الاستخفاف بالجامعة ومدى الانحطاط الأكاديمي المنسوب لصرح عريق كجامعة صنعاء.

فتحت هذه الجريمة العلمية الباب لتسريب معلومات عن منح الجامعة درجة الماجستير قبلها لأكثر من أربعمائة من قيادات الجامعة، لتجاوز عقدة النقص وإذابة مستوى الفارق العلمي والإداري بين مناصبها وبين مؤهلاتها، أما نيل الشهادات الجامعية فلم يعد مثيراً للاستغراب، لأنها خرجت عن دائرة الإحصاء وغدت متاحة حد الاعتياد غير المستهجن.

ومن ناحية موضوعية، فإن جماعة الحوثي حريصة على ترسيخ خطابها الطائفي ومشروعها السياسي وفكرها السلالي وإرثها التاريخي علمياً وبحثياً من خلال إجبار الجامعة على تقبل عناوين أبحاث تدور في فلك الجماعة في زمنها الحاضر أو حول ماضيها البائد، فإذا كان المشاط قد خصص بحثه حول ما يسمى زعماً "ثورة 21 سبتمبر"، فقد سبقه كثير من الباحثين الموالين لها لدراسة خطابات عبدالملك الحوثي، وملازم الهالك حسين الحوثي، وتخاريف بدر الدين الحوثي، وامتد الأمر لإحياء إرث زمرة السلالة كيحيى بن الحسين الرسي وعبدالله بن حمزة وسِير كثير من أعلام المذهب الزيدي الاثني عشري الطائفيين، لتبدو عملية تقويض مكانة الجامعة وقيمة الأبحاث العلمية فيها موازية لبناء خطاب فكري وتغليف للوهم السلالي بصورة أكاديمية عوضاً عن صورته الشفاهية والمسموعة بالإكراه شعبياً.

ولم يقتصر الاستهجان_ إزاء هذا العبث المليشاوي_ بالجامعة على النطاق المحلي اليمني، بل امتد ذلك السخط عربياً، حيث أصدرت وزارة التعليم العالي بدولة الكويت مرسوماً يقضي برفض الشهادات الجامعية الصادرة من جامعة صنعاء وعدم اعتمادها في مختلف البرامج العلمية سواء للكويتيين أو لغيرهم، ويأتي هذا الإجراء الكويتي كردة فعل وتحسر على مجد الجامعة وتاريخها العريق الذي دعمته بسخاء منقطع النظير، ويتم إهدار ونسف ما شُيد خلال عقود على يد جماعة متخلفة.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية