ماذا يعني الثُقب الذي فُتح في تعز؟
بعد قرابة عقد من الزمن- طُوقت تعز بحصار فادح عزلها جغرافياً وأنهكها إنسانياً- صحت فجأة على نبأ فتح ثقب في بلعومها المتحشرج لدخول رشقة هواء لتنسيم الشرغ الكهنوتي الجاثم على صدرها، هكذا يبدو لي الحدث الذي يروج له بمسمى "فك الحصار"
لا ينم هذا الثقب عن انفراجة سحرية لدوامة المأساة، التي تجرعتها تعز بشكل خاص وطاحونة الحرب التي عصفت باليمن بشكل عام؛ فالحصار طوفان جرف معنى الحياة في المدينة ونكَّد سبل العيش فيها، ولا أظنه قادراً على إحداث تغيير ملموس في نتائج ذلك الطوفان، واستعادة صورة الحياة التي كانت قائمة في المدينة سابقاً؛ لأن تعقيداته متشعبة وليس بمقدور ثقب ضئيل معالجة تبعاته وابتلاع مخاطره والتنفيس عن قاطني المدينة في أكلهم وشربهم وتنقلاتهم.
لهذا الثقب توجسات تفوق حجمه، وشكوك تتجاوز تهويل فاعله، ولا يستبعد اعتباره فخاً لقادم أسوأ من الحصار نفسه، لا حسنة تنبثق من مجرم ولا إنسانية تنشب عن سفاح، فالغدر من شيمه، والخيانة تجري في دمه، والمكر مكمن قوته، فقد خذلته ساحات الوغى ولم تحقق غايته، فتلحف رداء السِلم؛ عله يتمكن من الانقضاض ويصل إلى حلمه المرسوم في خياله المريض.
لستُ متشائماً ولا أثير التوجس، لكن الفعل يفرض عليَّ استشعار الخطر، لأن الكهنوت لن يتغير، وستظل أساليبه في القمع والاعتقال مشرعة في وجه كل خارج من فوهة الثقب باتجاه الحوبان ظناً منه أن العدو تخلى عن أحقاده وسئم جرائمه، فلا أمان ولا حرية لكل من يقول له (لا) حتى في سره، ولذا فالثقب عملياً معبر نحو عبودية الكهنوت وتأدية طقوس الذل وحياة الخنوع.
مهما أضمر الثقب من نوايا سيئة وخطط مبهمة، فإن أسود الحالمة في غفوتهم أشد تأهباً ويقظة من صحوة واستعداد عدوهم، سواء كانت نوايا العدو مباشرة أو غير مباشرة، فهم أقدر على فرعنته وأمكر من خبثه.
وإذا نظرنا لهذا الحدث بإيجابية تقليص المدى الزمني للعابرين بين المدينة وخارجها، وجب التساؤل: هل سيسمح بتدفق البضائع والمؤن والسلع التي أنهكت تكاليف نقلها أبناء المدينة وضاعفت ثمنها؟ هل سيسمح بتدفق المياه سواء عبر مجاريها الأساسية أو خزانات النقل؟ هل سيجعل المواطن يلمس جدوى فتح هذا الثقب أم أنه سيكتفي بالصورة الشكلية لمعنى فعله ويُبقي المعاناة منتصبة كما هي؟!
ولو تتبعنا مجريات الحدث في يومه الأول للفت نظرنا تدفق مهول للمركبات والناس باتجاه المدينة وكأنهم في أمسّ الحاجة لتنفس الصعداء من كابوس المليشيات وطغيانهم الفاجر، سيستشعر البسطاء الفارق الفعلي بين شكل الدولة وأسلوب العصابة المليشياوية منذ ولوجهم عتبة الجمهورية عند أول نقطة شرعية شكلاً وموضوعاً، سيتسرب عليل من الحرية إلى أعماقهم وسيعتريهم الغبن وهم يتجرعون مرارة الإمامة وعلقم العنصرية في مناطق السلالة، سيطلقون وابلاً من الرحمات على أرواح شهداء تعز الذين رفضوا الانحناء للسلالة وقارعوها منذ تفشيها الباكر لينعم بفضل تضحياتهم أربعة مليون يمني يقطنون أرض الحالمة وينعمون بكرامتهم مهما كان السوء في معيشتهم، لكنهم يشعرون بالرضى والتقبل مقارنة بالبؤس والإذلال المستحوذين على من تحكمهم سلالة عنصرية فاشية.