وكالة 2 ديسمبر الإخبارية

الثورة مستمرة...

من بين ركام الحرب، سعت الصحافية آية خالد- بشكلٍ دؤوب- إلى وضع مداميك أولية في تدشين أول منصة يمنية متخصصة في قضايا الأطفال وشؤونهم النفسية والعقلية، أطلقت عليها اسم "إكسير للطفولة)، وتهدف من خلالها إلى معالجة الأثر البالغ الذي خلفته الحرب المستمرة تداعياتها منذ سنوات، حيث تسرد قصصًا من معاناة الطفل اليمني، وتعمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال والدفاع والمناصرة لقضاياهم وإظهارها للرأي العام بمختلف الوسائل، وبقالب نوعي وحديث.

تقول الصحفية آية خالد، مؤسس ومديرة منصة إكسير للطفولة، في حديثها لـ"وكالة 2 ديسمبر": بدأت الفكرة وأنا أدرس سنة أولى في مرحلة دبلوم الدراسات العليا في المعهد العالي لفنون الطفل بأكاديمية الفنون- القاهرة عام 2019م، وفي نفس العام أسست إكسير، كنت حينها أنا الوافدة الوحيدة في دفعتي، وهي أول دفعة على مستوى الوطن العربي، وكان زملائي المصريون جميعهم لديهم محتوى خاص بالطفل يستعرضون من خلاله بحثًا أو يناقشون قضية معينة، فلديهم أرشيف للطفل وعندهم مجلات وقنوات متخصصة في برامج الطفل.

سافرت آية إلى الأردن وحضرت ورشًا كثيرة، وطُلب منهم خلالها تقديم مقترحات لمشاريع، كما توضح آية، مضيفة: خطرت على بالي فكرة إكسير، التي طرحتها حينها وظلت تتبلور كل يوم وكل عام،  كنت أدرس فيها عن التأليف والكتابة للطفل وكانت الفكرة تنضج عندي بشكل أكثر.

تجربة

خاضت آية العديد من التحديات لتأسيس منصة إكسير، وواجهتها صعوبات جمة، شعرت من خلالها بمدى افتقار أطفال بلادها للمنتجات الموجهة لهم، وخاضت تجربة تأليف وكتابة القصص والروايات للأطفال.

تواصل "آية" حديثها لـ"وكالة 2 ديسمبر": خضت تجربة في التأليف والكتابة وتأليف القصص والروايات للأطفال، والإرشاد النفسي وعلم نفس الطفل، وكيف تكون مختصًا في تقديم جلسات دعم نفسي للأطفال، وكم نحن بحاجة لهذا في بلادنا".

من غير المنطقي عدم وجود أي عمل إعلامي يهتم بالطفل أو يخاطب الطفل، "كان هذا عقبة بالنسبة لي في دراستي، وكلما أردت إجراء دراسة أو بحث علمي لا أجد جهة معنية مختصة بالطفل أجري عليها البحث، فكان من اللازم جدًا أن تُخلق إكسير، وبدأت أعمل باسمي ضمن نطاق إكسير وبدعم ذاتي من الألف للياء، حتى حان الوقت لترى النور وتخرج للعالم بعد حصيلة خمس سنوات دراسة وبحث وقراءة في المجال"، تقول آية.

وتضيف: شعرت بأن لدي الخبرة الكافية لإدارة وإطلاق كيان مختص بالطفل يكون بمثابة مساحة أمان له، كذلك نسعى لتوفير محتوى آمن للطفل من خلال إكسير.

جاءت إكسير لاحتواء الأطفال في اليمن، ووصلت لفكرة أن من الأجدر البدء بجلسات الدعم النفسي والاستماع، والإرشاد للطفل ولأولياء الأمور، وما زالت حتى الآن توفر الدعم النفسي المجاني لكل طفل من خلال جلسات استشارية نفسية، جلسات استماع للطفل ولأولياء الأمور أيضًا، وجلسات إرشادية في كيفية التعامل مع الطفل، وفق آية، التي تابعت: بدأنا هذا المشروع في العام 2021م، وحتى اليوم ونحن نقدم العديد من الاستشارات النفسية، سواء كانت هذه الجلسات وجاهية أو افتراضية عبر الزوم.

أسباب مختلفة

حاولت آية من خلال دراستها في مجال الطفل، في المرحلة الحالية التي يمر بها اليمن، أن تقدم الدعم للطفل اليمني، كونه محتاجًا إلى الدعم النفسي في وقتنا الراهن.

تقول: للأسف أكبر شريحة متضررة في الحرب منذ العام 2015م هم الأطفال؛ فالكثير منهم معتقلون، أو مجندون، والعديد خارج المدارس، إضافة إلى أطفال يموتون بأسباب مختلفة صحية أو نفسية أو اجتماعية أو بيئية.

فكرة منبوذة

في ظلّ الواقع المرير الذي يعيشهُ الطفل اليمني من مأساة بكل ما تعنيه الكلمة، كان لآية دور كبير في تأسيس هذه المنصة، واجتياز العديد من الصعوبات التي واجهتها عند تأسيسها، وعدم تقبل فكرتها في بداية الأمر عند الكثير.

تتحدث عن ذلك بالقول: كنت أواجه صعوبة كبيرة من خلال حديثي مع الناس عبر صفحتي في الفيسبوك، أو عبر استعراض أبحاثي في المعهد، وقصص الأطفال المأساوية، وأنا أعي أهمية الجلسات الاستشارية للطفل كيف أنها تُحدث فرقًا. أكبر شيء واجهني أن الناس كانوا يقولون لي أنتِ لستِ دكتورة نفسية، حاولت أن أفهّمهم بأنه لا يوجد طبيب نفسي متخصص في الأطفال أساسًا في اليمن، أنا الوحيدة التي أصبحت في مجالي هذا الآن".. تتابع: مع الأيام وصل لدي طفل بسبب صدمة معينة فقد النطق، بعد ما يقارب خمس جلسات، بدأ يفضفض ويخرج من آثار ما حدث له.

وأضافت: أنا الآن يوميًا أخصص ثلاث ساعات لتقديم أكثر من خمس جلسات للأطفال، إما أن تكون جلسات استماع جماعية، أو منفرد لكل طفل ساعة باليوم، رغم المشاكل الناتجة عن سوء الإنترنت.

أحاديث مفزعة

خلفت الظروف القاسية التي يعيشها الأطفال في اليمن، آثارًا كبيرة من الصدمات والإجهاد النفسي.. تقول آية، مضيفة: واجهنا صعوبات في المصطلحات المناسبة للتعامل معهم.. "طفل يأتي يقلك أنا شفت بابا وماما يموتون أمامي في قذيفة أو صارخ، أنت كيف ممكن تستخدم الكلمات التي تخليه يحكي أو يشرح لك كل ما يعانيه".

يحتاج الطفل إلى من يعطيه الأمان والاحتواء ليتحدث عن مشاكله.. توضح آية بلهجتها: من العجيب أن طفلًا بعد أول ثلاث جلسات معه يقول لي احلفي أنك ما بتكلمي ماما وبابا بما شقول فيبه!!؛ فكنت أوضح للأم أو الأب: هل أنت قادر أن تعطي لطفلك هذه المساحة من الأمان، وما بترجع لي مرة ثانية، ممكن أنت ترجع المستشار النفسي له".

وتنوه آية بأن دور الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس سيئ، فهو عقابي رقابي أكثر مما هو توجيهي ودعم.

قضايا مجتمعية

تذكر آية أن هناك قصصًا مأساوية كثيرة، عما يعانيه الطفل في اليمن، ستنشر تباعًا في إكسير التي تملك مواد أرشيفية تغطيها لسنة.. قائلة: "زرنا أكثر من مخيم وصورنا قصصًا كثيرة، خرجنا من كل مخيم بما يقارب 13 قصة، القصص هذه مؤلمة جدًا، سواء كانت للرأي العام أو للمجتمع اليمني، عندنا حالات تسرب مدارس، عندنا كيف يصل الطفل إلى حالة معينة ينجر مع عصابات، حالات اتجار بالبشر، حالات تحرش شبه يومية بطريقة مخيفة، حتى من ضمن الجلسات التي نجريها مع الأطفال أغلب الحالات للأسف تحرش، في المدرسة، في الحارة، وغيرهما".