ليست مجازر غزة، ولا قضية فلسطين معركة هذه الجماعات ولا أولويتها، فهي بالنسبة لهم ليست أكثر من مجرد غلاف ورداء يخفون تحته معركتهم الخاصة ومشاريعهم وأجندتهم، مستغلين دماء الفلسطينيين أسوأ استغلال؛ بل يُلاحظ أنهم أكثر من غيرهم يقدمون لإسرائيل خدمات بحرف مسار الشارع العربي وعاطفته عن مجازرها وما تقوم بارتكابه، إلى سخط ضد الأنظمة العربية وضد بعضهم البعض، وحتى ضد محلات القهوة ودكاكين الشكولاتة ومطاعم البيتزا والهمبرجر، والدفع بهم لتعطيل الأسواق وتكسير المحلات التجارية وقطع الشوارع بمدنهم وعواصمهم، والأهم من هذا كله زراعة الأحقاد باتجاه دول عربيه أكثر من توجيهها نحو إسرائيل بحد ذاتها. وبجانب استغلال القضايا العروبية والقومية يستغلون كذلك الدين: تكفير، تخوين، إهدار دماء، توزيع صكوك النفاق والإيمان، نشر البغضاء، فتاوى دم، وعرض إشاعة الانحطاط الأخلاقي والسفاهة بمواقع التواصل والتشجيع عليها باعتبارها جهادًا وكلمة حق؛ ليسلبوا الأجيال العربية ما تبقى لديها من أخلاق وخطوط حمراء للعيب، بعد أن جعلوا الانحطاط والسفه والكذب والتزوير والغل والفجور من علامات الإيمان والوطنية والدين والانتماء والجهاد والشرف.

تدير هذه الجماعات الساقطة معركتها الخاصة التي لا علاقة لها بفلسطين ولا بأهل غزة ولا بجرائم إسرائيل، معركة خاصة ضد الأنظمة العربية وشعوبها وجيوشها وأمنها واستقرارها، ضد كل من لا تراه يؤيدها أو يقف بصفها، وضد كل من ترى أنه كان شريكًا في إفشال مخططها ومشروعها الممول والمدعوم أساسًا من إسرائيل وطهران، والذي انتهى به المطاف لزواج سفاح غير شرعي ولا وطني ولا ديني، أنتجت سنواته خراب خمس دول عربية، وما يحدث اليوم في غزة ويمتد مخططه لبقية الدول العربية وأنظمتها وجيوشها ليس إلا أحد مواليد هذا الزواج والعلاقة الحميمة بينهم وتل أبيب وطهران، وإن أُصيبت هذه العلاقة بالفتور بين الفينة والأخرى، تعود مجددًا لسابق عهدها وأقوى، وهذا ما يحدث حاليًا.

بعض الحقائق:

-    اعترفت تركيا بإسرائيل العام 1948م.. وطوال فترات الحكم المتعاقبة لم يحدث تغير في العلاقة التركية الإسرائيلية، بل زادت صلابة وعمقًا ومتانة خلال فترة حكم أردوغان ليصل التبادل التجاري بين البلدين إلى عشرة مليارات دولار بالعام الواحد، وتوقيع أكثر من عشر اتفاقيات بما فيها حق إسرائيل في استخدام القواعد العسكرية التركية والمجال الجوي التركي.

الجيش التركي الوحيد الذي يضم مستشارين عسكريين إسرائيليين، والطيران الوحيد بالعالم الذي تمتلك إسرائيل حق تحديث أسطوله الجوي وتدريب طياريه وتوفير قطع غياره، هو طيران الجيش التركي.

تعتمد إسرائيل على تركيا اعتمادًا كليًا في توفير المياه العذبة سنويًا بمعدل 50 مليون متر مكعب بموجب اتفاقية بين البلدين.

توفر إسرائيل نسبة 49% من احتياج السوق التركي للغاز، وتركيا الدولة الوحيدة التي يمر بها خط أنابيب الغاز الإسرائيلي.

لم تقم تركيا بموقف واحد ضد إسرائيل منذ العام 48 إلى اليوم، لم تغلق سفارة، لم تلغِ اتفاقية، لم تقطع علاقات، لم تقاطع منتجات، لم تغلق سوقًا حرة، عدا عن تصريحات وخطابات سخيفة لدغدغة عواطف القطيع الأحمق.

-    اعترفت إيران بإسرائيل كثاني دولة بعد أمريكا، وبعد انقلاب الخميني أغلق السفارة الإسرائيلية شكليًا واستبدله بمكتب علاقات وجمعية يهودية إيرانية؛ بينما وصلت علاقة البلدين للذروة أثناء الحرب الإيرانية العراقية، حيث تكفلت إسرائيل بتزويد إيران بالأسلحة والخبراء والمعدات والدعم اللا محدود، وتوِّجت بتسليم العراق لإيران.

تزود إسرائيل إيران بالغاز والسلاح، وتصل الاستثمارات الإسرائيلية في إيران إلى اثني عشر مليار دولار.

تُوّج الزواج السري الإيراني الإسرائيلي بترسيم الحدود مع حزب الله وتسليم إسرائيل حقول الغاز بالجنوب، واعتراف حزب الله بإسرائيل ليشكل حاليًا طوق حماية لها.

لم تقم إيران ولا أذرعها بأي ردة فعل ضد إسرائيل، سوى التصريحات والخطابات والشعارات، مثلها مثل تركيا؛ بينما يقصف حزب الله عمود كهرباء على تبة جبل إسرائيلي منذ عشرة أيام.

-    في الدوحة أكبر مكتب تنسيقي بين إسرائيل وقطر، وأكبر القواعد الأمريكية، وقطر البلد الوحيد الذي تجمعه بإسرائيل علاقة واضحة وتواصل قبل أي دولة عربية منذ التسعينيات حتى اليوم.

لم تقم قطر بأي إجراء ضد إسرائيل، رغم ما تمتلكه من لوبي غربي وإعلام وصحافة ومنظمات، حتى ولو تصريحات، واكتفت بالوساطة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والأمريكيين لدى حماس.

الدول العربية

- مصر، المغرب، سلطنة عمان، البحرين، الأردن، بما فيها السلطة الفلسطينية التي تعترف بإسرائيل، وحزب الله الذي يعترف بها كذلك ورسم معها حدود دولته؛ بل كل الدول العربية والإسلامية- سواء التي تعترف بإسرائيل وبينهما علاقات، أو التي لا تعترف بها- جميعها لم تقم لا رسميًا ولا شعبيًا بأي ردة فعل.. فلماذا الإمارات؟

لماذا الإمارات؟

لأن الإمارات لا تنافق مثلهم، تتحدث في العلن بما يتحدثون به في السر، تتعامل مع شعبها والشعوب العربية وشعوب العالم بالقضايا والأحداث والعلاقات والرأي ووجهة النظر بوضوح وشفافية ومصداقية، لا تُظهر موقفًا في العلن وتقوم بنقيضه في السر، لا تستغل المواقف والقضايا العربية والإسلامية للحصول على مكاسب من تحت الطاولة، بينما تقدم للشعوب من فوقها خطابات وشعارات ومواقف إعلامية كاذبة تركب بها اكتافهم وتستغل عواطفهم للظهور كبطل، ولا تبيع الوهم؛ بل تتعامل بواقعية وتقف مع الشعب الفلسطيني بما يخدمه ويجانب إبادته، وتحت شعار "فخذ الآن ما تستطيع من الحق في هذه السنوات القليلة"؛ لأن الإمارات تقف مع فلسطين فعلًا وليس قولًا، تحاول إيقاف الإبادة لأهل غزة بدبلوماسية الدولة لا بعاطفة القطيع وهرطقات المنابر، لأنها تعرف المخطط والمشروع، وتعلم أن هذه الغوغائية أكبر مساعد لإسرائيل في مشروعها وليس العكس، هم لا يريدون دبلوماسية توقف إبادة أهل غزة؛ بل عنتريات وهمجية وتصريحات تدفع بأمريكا وإسرائيل والغرب لاستكمال مشروع إبادتهم، وهذا ما كتبه أحد كبارهم،  حيث قال: كلما سُفكت دماء الفلسطينيين وزاد عدد الشهداء في غزة اقترب النصر. لهذا لا يهتمون لإبادة أهل غزة، فهي مجرد مادة إعلامية وأرقام.

وبعيدًا عن البسطاء الصادقين في عواطفهم وانتمائهم وقهرهم وألمهم ووجعهم لما تقوم به إسرائيل من مجازر بحق شعبنا وأهلنا في غزة.. كل هذه الأبواق المأجورة والممولة، والجماعات المؤدلجة والمحملة بأحقاد ومشاريع رخيصة لا يعادون الإمارات ولا السعودية ولا البحرين ولا أي دولة أو نظام بالعالم، ولا حتى إسرائيل نفسها من أجل فلسطين ولا من أجل غزة ولا من أجل الفلسطينيين؛ فليست القضية الفلسطينية عندهم أكثر من شركة استثمارية واستغلال ومساومة وقضية يمتطونها لأغراض سياسية وحزبية وعقائدية وأيديولوجية، ولهذا يجندون عشرات الآلاف من الناشطين والإعلاميين، والمئات من القنوات ومراكز صناعة الموجهات الإعلامية لتوجيه الناس واستغلال عواطفهم، لتصفية حساباتهم وأحقادهم، وهذا ما يحدث حاليًا باستغلالهم لغزة وأحداثها وتوجيه كل السخط والحقد للإمارات والسعودية والجيش المصري والنظام الأردني والبحريني وغيرهم؛ بل ولكل ما لا ينتمي لهم إلى درجة أن المتابع يلاحظ أن هجومهم وحقدهم نحو الأنظمة والدول العربية عشرة أضعاف هجومهم على أمريكا أو إسرائيل، حتى وصل الحال بهم إلى الفبركة وتزييف فيديوهات وأخبار ومنشورات؛ بل من خلال مراجعة بسيطة لهشتاقاتهم بمواقع التواصل منذ بداية الأحداث في غزة وحتى اليوم، سوف نجد 99% منها ضد الدول العربية والحكام العرب ودعوات وتحريض للشعوب العربية للانتفاضة ضد أنظمتهم، وجزء من واحد بالمائة ضد إسرائيل وأمريكا، وذكر عابر لغزة والمجازر التي تحدث للفلسطينيين!.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية