حثيثةٌ هي الخطى التي تمتطي بها المليشيات كل القواعد والأعراف والمبادئ الإعلامية للوصول إلى أهدافٍ مستجلبة من الخارج، تحاول الجماعة المدعومة من إيران فرضها على اليمنيين، عبر كل ما أتيح لها من وسائل، ليس القوة بعيدة عن قائمتها، ولا الإعلام جزء يسير منها البتة.

 

الأشهر الماضية، كان حراك المليشيات دؤوباً بغير العادة لإعادة التموضع وبناء إعلامها الموجه بشكل جديد من حيث المضمون والهدف، والأسلوب والتنظيم.

 

والهدف معلومٌ دائماً، أقل بندٍ فيه ترسيخ الطائفية داخل المجتمع اليمني وتفتيت نسيجه الاجتماعي وإنهاء حالة الاستقرار والتفاهم المذهبي في البلاد.

 

وأطلق الحوثيون في الثلاثين من نوفمبر الماضي، قناة "المسيرة مباشر" امتداداً للقناة الرسمية لهم (المسيرة) والتي أطلقوها في 2012م، للترويج لمشروعهم داخل الأوساط اليمنية، وهذا التوجه شهد جموداً منذ تلك الفترة حتى قبل أشهر، في حين كان العمل على تعزيز الإعلام الإلكتروني والدعاية والصحافة يلاقي دعماً كبيراً من قبل المليشيات.

 

باقة جديد من القنوات الفضائية

مؤخراً، أطلقت المليشيات قناة (الهوية) وهي القناة التلفزيونية الثالثة بعد المسيرة، والمسيرة مباشر، وتستعد لإطلاق باقة جديد من القنوات هي (اللحظة) ، إلى جانب قناة ثالثة اسمها (تهامة) أعلنت عنها المليشيات في يوليو/ تموز 2017، وقالت إنها ستخصص لـ "الجانب الاقتصادي وتعزيز فرص الاستثمار في البلاد".

 

ولا يستبعد إعلاميون، أن تضيف المليشيات الحوثية رصيداً جديداً من القنوات الإعلامية إلى هذه القائمة، في مسعى منها للاستحواذ على الإعلام المحلي، ثم التمكن من توجيه الخطاب الإعلامي حسب الأهداف المرسومة سلفاً.

 

ومنذ اجتياحها لصنعاء، ضيقت المليشيات على الوسائل الإعلامية المرئية، ما جعلها كافة تنقل مقارها من صنعاء إلى خارج اليمن، عدا قناة السعيدة التي أوقفت معظم برامجها بعد أن ضيقت عليها المليشيات وفرضت عليها قيوداً في العمل الإعلامي، وهي محاولة لم تنجح، كان الحوثيون يقصدون عبرها التفرد بالإعلام المرئي وتوجيه الخطاب من زاوية حرة.

 

وتسيطر المليشيات على كافة الوسائل الإعلامية المرئية الحكومية، على رأسها قناة اليمن الرسمية، وهي وسائل مستثمرة في خدمة الأجندة الحوثية، وتوجه الخطاب ذاته الذي توجهه قناة المسيرة، بعد أن باتت في تحكم المليشيات.

 

الشحن الطائفي وتحريف الفكر

يدرك مهتمون بالشأن الصحافي، أن انتقال المليشيات إلى عالم الإعلام المرئي بصخب كبير - كما هو الحال اليوم - يأتي ضمن مقتضيات تسعى المليشيات لتحقيقها بوقت وجيز، نتيجة الصعوبات التي واجهتها سلفاً فيما يخص أجهزتها الإعلامية المتنوعة بين (الإذاعات، المواقع الإلكترونية، الصحافة الورقية).

 

وطبقاً لأحد المبعدين من قائمة العاملين في قناة الهوية (قناة حديثة أطلقتها المليشيات) فإنه جرى تدريب العاملين في القناة على أسس فكرية بحتة، وحرفت الكثير من الأفكار لدى الفريق العامل في القناة، حيثُ تلقوا الوعود بالدعم السخي مقابل تنفيذ أهداف القناة التي بنيت بشكل سري بعيداً عما هو معلن.

 

وقال لـ "وكالة 2 ديسمبر الإخبارية": تقدمت للعمل في القناة التي يديرها القيادي الحوثي محمد علي العماد، إلا أنهم استبعدوني لعدم تقبلي الأفكار التي أرادوا من الطاقم التعامل وفقها، وجاء قرار إبعادي ضمن عدة متقدمين أثناء الدورات التي كانوا يعقدونها في صنعاء لجس النبض وكشف حقائق المتقدمين من حيث الانتماء الفعلي أو مجرد طلب للعمل، حيث أن الأخيرين استبعدوا كلهم.

 

ولم تكن المليشيات يوماً تهمل الجانب الإعلامي، فراحت منذ بدء الحرب إلى توجيه الأفكار الطائفية بطرق مباشرة وغير مباشرة، عن طريق جهاز إعلامي يتمثل في قناة المسيرة المدعومة من خبراء إعلاميين لبنانيين يقيمون مستوى الأداء ويعملون كموجهين للعمل الإعلامي في القناة.

 

ويتلقى العاملون في الإعلام المرئي الحوثي دورات تدريبية دورية، خاصة عاملو قناة المسيرة المقيمين في الضاحة الجنوبية بلبنان، وهو ما مكنهم من بناء خطط إعلامية أسهمت إلى حد كبير في نشر كل هذا العداء وتوجيه خطاب الطائفية بكل هذه الهالة.

 

السلاح الوحيد

يعتبر مراقبون، أنه لم يعد يبقى للمليشيات الآن سوى الإعلام كسلاح وحيد يمكنها عبره أن تروج لذاتها ومشروعها، أو الانتصارات التي تزعمها في القتال الدائر في البلاد، مع القوات الحكومية والتحالف العربي.

 

والمعلوم عادةً أن التغطية على الانتكاسات لأي جماعة تتم عبر وسائل الإعلام، وتحتاج إلى غطاء إعلامي مكثف لتبريرها، ولن تكون الأهداف الخفية لإنشاء هذه الباقة الجديدة من الوسائل التلفزيونية، أقل مما ذكر، فالجماعة تلاقي ضربات قاسية منذ أشهر وتخسر على مختلف الصعد والمستويات ولن تألو جهداً في المحافظة على ما هو لديها من حاضنة شعبية.

 

ووفقاً للمراقبين، فإن التدفق الإعلامي القادم عبر وسائل الإعلام الحوثية مؤخراً كشف حجم ما تتعرض له الجماعة من انتكاسات، سواء فيما يتعلق بالرفض الشعبي في المناطق التي تسيطر عليها، أو عجزها عن إدارة مناطق نفوذها، والأهم انتكاساتها العسكرية، ما يدعوها بالضرورة إلى المواجهة  بالإعلام بعد أن فشلت في تحقيق أي نجاح عبر استخدام الوسائل الأخرى التي كان أبرزها القوة والانتهاك والتعنيف.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية