اليمنيون دعاةُ سلام.. وحربٌ على أعداء السلام
في اليوم العالمي للسلام لا بُد من التذكير والتأكيد بأن كُلَّ اليمنيين ينشدون السلام، ولديهم موروثٌ فكري وقيمي يشدهم إلى السلام، بل ويجعل تحقيق السلام في صدارة اهتماماتهم.
فاليمنيون أوَّل من بحث عن مقومات الاستقرار، الذي هو أول مفردات السلام، ومن أجل ذلك اختاروا أماكن السكن والعيش، حيث تتوفر أبسط مقومات العيش والاستقرار (الماء والمرعى)، فسكنوا حيث عيون الماء وعلى جنبات مساقط السيول والوديان.
ولم يتوقفوا عند هذا الحد، بل تفاعلوا مع متغيرات الطبيعة، وطوعوا الأرض والجبال، وبنوا الكرفانات والبِرَك والسدود لتوفير المياه في أيام الشتاء، وبنوا المدرجات ليزرعوها بما يحتاجون، وابتكروا المدافن وطرائق تخزين الحبوب والأعلاف.
وابتكروا لأنفسهم أنظمة ري وأعرافًا تحفظ الحقوق العامة، وتكفل متطلبات العيس الأساسية للجميع، وبالعدل والمساواة في كل حق من حقوق الحياة، وأصبحت هذه الأعراف عادات وتقاليد، ومن ثم تشريعات ونواميس، يلتزم بها الجميع، وغدت سلوكًا يومياً يمارسه الجميع، ويعيش في ظله الجميع بسلام.
وحينما جاءت الرسالات السماوية بمنظومات من القيم التي تحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتردع الظلم، وتحمي الناس من ظلم الناس، تفاعل معها اليمنيون، ولم يصطدموا بها، بل فرحوا بها واعتنقوها، لأنها جاءت بمنظومة قيم هم مؤمنون بها، وربما زادت إلى قيمهم قيمًا جديدةً لم يكونوا قد توصلوا إليها.
ولم يتوقف اليمنيون عند قيم وعادات وتقاليد الزراعة والسقي والري والاحتطاب، بل تجاوزت ذلك إلى الشورى في الأمر، والتكافل والتعاون والتكامل، وسنوا أول قانون تجاري في التاريخ، ونظَّموا آلية حماية القوافل التجارية، وبنوا الممالك والدول والمكونات السياسية، قبل أن تعرف الدنيا كلها شيئًا من هذه المسميات والمفاهيم.
وبعد مجيئ الإسلام الذي اعتنقه اليمنيون طوعاً وحبًّا في ما جاء به من قيم، لم ينسَ اليمنيون قيم الخير والعدل والشورى، بل طوَّروها، وما زالوا، حتى جاءت العصور الحديثة، التي بدأ فيها العالم -متأخرًا عن اليمنيين- يبتكر نظريات الديمقراطية، وتعريفات السلام، ويروج لمفاهيم السلام، ويعقد اتفاقيات ومعاهدات لتحقيق التعايش والحرية والديمقراطية، ويتحدث عن مبادئ التعايش السلمي، ويلملم عناصر تحقيق السلام في مواثيق وتشريعات.
وفي العصر الحديث حقق اليمنيون أكبر عملية مصالحة وطنية، تمثلت في إعادة تحقيق وحدة اليمن بالحوار السلمي، واختاروا التعددية السياسية لتوسيع المشاركة الشعبية في الحكم، وأقروا مبادئ حرية التعبير، واحتكموا للشورى والديمقراطية، واحتكموا لإرادة الشعب في اختيار من يمثلهم في السلطات التشريعية والتنفيذية عبر صناديق الانتخابات الحرة والمباشرة.
وخلال كل العصور لم يفسد السلام في اليمن سوى المكونات الطارئة على اليمن، أو الكيانات التي تحمل أفكارًا وهويّاتٍ دخيلة، لا علاقة لها بالهُويّة اليمنية.
فكل هذه الكيانات والمكونات التي تكفر بقيم الحق والعدل والمساواة والحرية والتعايش السلمي، جميعها كيانات ومكونات طارئة، أو تحمل فكرًا طارئًا، ولذلك نجدها دومًا ترتكز على الخرافات والزيف، وتتستر بالدين، وتدعي لنفسها القداسة والاصطفاء والوصاية على الدين، واحتكار التسلط بدعاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وهي مجرد عصابات منسلة من بقايا غزاة، أو تحمل مشاريع غزاة.
فالجماعات الإرهابية المتطرفة، التي اقترفت جرائم لا حصر لها ضد اليمنيين -دولةً ومؤسساتٍ ومجتمعاً- هي عبارة عن جماعات تتبع تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، استبدلت القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية النبيلة بنهج متعصب ومتطرف وإجرامي، تحمله تنظيمات الشر المنتشرة في أرجاء العالم.
والعصابات العنصرية السلالية الإرهابية توارثت العنصرية والخيانة والعمالة والزيف والكهنوتية والخرافات والقبح والإجرام من أسلافها الكهنوتيين، المتصلة عنصريتهم بالدجال الأول، الغازي المجرم يحيى الرسي، وبقايا الغزاة الفرس، الذين لا مشروع لديهم يستطيعون أن يقدموه ويقدموا أنفسهم به، ولا مشروعية لتسلطهم سوى خرافات الاصطفاء الإلهي، ودعاوى الولاية والوصاية، ومن خلفها العنف والإجرام والتسلط.
ولعله من الواضح أن اليمنيين كانوا -وما زالوا- في صراع مستمر ضد هذه العصابات وكهنتها ومجرميها، وسيظلون كذلك، دفاعًا عن هويتهم، المرتكزة على قيم الخير والحق والعدل والمساواة والحرية، وهي القيم الأساسية لتحقيق السلام الكامل والشامل والعادل والمستدام.