تشهد كليات جامعة صنعاء تدنياً في مستوى الإقبال من قبل الطلاب الملتحقين وإلى أرقام مفزعة تجسد انهيار التعليم العالي في ظل سياسة حوثية ممنهجة.

وسجل ثلاثة طلاب فقط في قسم الفلسفة، حسب إحصائية شؤون الطلاب في كلية الآداب والعلوم الإنسانية لسنة 2023. المستوى المتدني في الإقبال نفسه ساد معظم أقسام العلوم الإنسانية؛ الأمر الذي قد يهدد مستقبل الدراسة في تلك الأقسام خلال الأعوام القادمة، خاصةً مع القرار الصادر من مجلس رئاسة جامعة صنعاء التابع للمليشيات الحوثية بشأن تجميد القبول في جميع الأقسام التي يقل عدد المتقدمين لها عن 15 طالبًا وطالبة.

إقبال متدنٍ

قسم الآثار هو الآخر سجل نتيجة إقبال متدنية بمعدل 4 طلاب فقط، فيما سجل كلٌّ من قسمي التاريخ والجغرافيا 5 طلاب في كل منهما، و10 طلاب في قسم المكتبات والمعلومات، فيما لم يتقدم لقسم الفرنسية سوى طالب واحد، وتفاوت عدد المتقدمين في بقية الأقسام، حيث تقدم 17 طالبًا في كلٍّ من قسمي اللغة العربية والدراسات الإنسانية، و54 طالبًا في علم النفس، و62 طالبًا في قسمي علم الاجتماع واللغة الإنجليزية، و64 طالبًا في قسم الخدمة الاجتماعية.

وأرجع مسؤول في شؤون الطلاب بكلية الآداب، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"2 ديسمبر"، إشكالية تدني الأرقام في إحصائية القبول لعدة أسباب، أبرزها: الانتهاكات التي تمارسها مليشيا الحوثي على الطلاب من تخريب أسس التعليم وقواعده، الأمر الذي جعل الآلاف من الطلاب يعزفون عن الالتحاق بالجامعة، ناهيك على حالة التشظي التي تقوم بها المليشيا من تحريف المنهج وجر الطلبة إلى بؤرة خرابها الدموي؛ وكذا تحويل الجامعة إلى معسكر لتجنيد الطلاب.    

وعن العراقيل التي تواجه الطلاب عند الالتحاق بالكلية والمساعي التخريبية التي تمارس لتقويض الحركة التعليمية، أكد المصدر ذاته أن "صعوبات عدة تحدق بمستقبل الطلاب، بالإضافة إلى الفساد المستشري في الجوانب الفنية أو الإدارية تحول دون التحاق الطلاب بالكلية"، مشيراً إلى أن الجامعة قامت بالعديد من الخطوات المخالفة لشروط التعليم، ووصلت الجامعة العام 2023 إلى عملية تجريف كامل وشامل للمناهج والبرامج والمواد الدراسية لجميع الكليات.

عراقيل ومعوقات

عبدالله عبدالسلام، طالب في قسم التاريخ مستوى ثالث، يقول: "عند التحاقي بقسم التاريخ واجهتني الكثير من المواقف والعراقيل المثبطة وحالة القمع وإجبار الطلاب على تكريس وقتهم في حفظ كتب مضمونها خرافات تفتقد لأبسط المعايير المنهجية. هذه الصعوبات التي تحدثها المليشيات على القطاع التعليمي كادت أن تصرفني عن مواصلة الدراسة في هذا التخصص، منها الأسئلة التي طرحت أمامي من معظم الذين صادفتهم في محيطي عن جدوى دراستي وتخرجي من جامعة صنعاء والتي لم تتمتع بأي مضمون علمي وانعكاسه على إنجازاتي الشخصية، بالإضافة إلى تفاجئي أن عدد زملائي في القسم لا يتجاوز العشرة طلاب".

ويشير عبدالله، في حديثه لـ"2 ديسمبر"، إلى أنه استطاع تجاوز تلك العراقيل وواصل مشواره الأكاديمي بسبب إيمانه بأهمية القسم الذي التحق به والتشجيع الذي تلقاه من أحد أقربائه، معربًا عن تخوفه من صحة التسريبات التي تحدثت عن قرار مجلس جامعة صنعاء "بتعليق الدراسة في الأقسام الإنسانية لكون عدد المتقدمين إليها أقل من 15 طالبًا"، واصفًا القرار إذا صح بـ"الكارثي".

كما أجمع عدد من الطلاب والباحثين أن سبب ضعف تدفق دماء جديدة لتدعيم أقسام الدراسات الإنسانية والاجتماعية كل عام، هو انعدام فرص العمل أمام خريجي تلك الأقسام كسبب جوهري، بعد أن قلصت الحرب الحوثية فرصة العلم وجعلت ملايين الطلاب في دائرة البطالة منشغلين بتوفير لقمة العيش التي حرمتهم منها طوال سنوات الحرب.

أكاديمي في كلية الآداب أكد في حديثه لـ"2 ديسمبر"، أن "هجرة العقول إلى الخارج، واستقالة العقل لصالح هيمنة الخرافة والولاية، وكذا المخرجات التعليمية طيلة العقد الأخير الذي وصلت فيه مسيرة الموت الحوثية على التعليم، كان كفيلاً بأن يحول التعليم إلى صرح موبوء بالمضمون الطائفي والعقائدي".

معاناة مع الفكر الحوثي

ناجي طالب في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء مستوى ثالث، قال لـ"2 ديسمبر": عند التحاقي بكلية الشريعة والقانون، وجدت أمامي العديد من الكتب والمناهج التي جرى تحريفها مثل مادة فقه العبادات التي أضيفت لها موضوعات مثل ميلاد الهالك حسين بدر الدين وأخيه عبدالملك الحوثي (زعيم الحوثيين)".

وأردف قائلاً: "العديد من زملائي تركوا الدراسة بسبب تحريف المناهج وتعسفات الحوثيين والتحقوا بسوق العمل، بدلاً عن مواصلة تعليمهم الجامعي".

مناهج حوثية تعكر صفوة العلم

منذ إنشائهما قبل عقود لم تشهد كليتا "الطب البشري" و"الهندسة" بجامعة صنعاء تراجعاً في إقبال الطلبة عليهما كما هو الحال في عهد مليشيا الحوثي.. هكذا يصرح أكاديمي في كلية الطب لـ"2 ديسمبر" بلغة مفجعة على التعليم.

وأردف: "أدرس في جامعة صنعاء كلية الطب والهندسة مادة الإسلامية كمتطلب رئيسي لمستوى أول أكثر من 26 عاما لم ألحظ هذا التراجع على الإطلاق في التعليم".

مليشيا الحوثي أقدمت كذلك على إدخال مناهجها الطائفية الخاصة في المنهج الجامعي، بعيداً عن المواد الدراسية المتعارف عليها، فعلى سبيل المثال في كليات مثل الإعلام، والطب البشري، والآداب، والهندسة، والشريعة عمدت الجماعة لإضافة مادة طائفية تنطوي على دروس تخدم وتمجد مشروعها السلالي فقط.

ولم تكتفِ مليشيا الحوثي بذلك، بل أصرت على فرض هذه المادة في جميع الكليات كمتطلب جامعي لطلاب المستوى الأول، وتأتي المادة تحت عنوان الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن مضمونها تكريس لخرافة الولاية ومزاعم الحق الإلهي للسلالة. 
وبهذا الصدد يقول (س . ق)، وهو دكتور بقسم الكيمياء جامعة صنعاء لـ"2 ديسمبر"، إن دمج ملازم الحوثي الطائفية ضمن المناهج الأساسية في جامعة صنعاء جعل مئات الطلبة يعزفون عن الالتحاق بالجامعة".

وأضاف إنه اضطر لنقل أبنائه للدراسة في جامعة تعز خوفاً عليهم من الوقوع ضحايا للأفكار الطائفية والعنصرية".

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية