صلاح الأصبحي يكتب لـ" 2 ديسمبر": 17 يوليو... كيف استطاع علي عبدالله صالح العبور باليمن
رغم مضي ستة عشر عاماً على قيام النظام الجمهوري؛ إلا أن اليمن لم يستقر بعد، ولم يتجذر بنيانه السياسي، فالمرحلة ذاتها شهدت انقلاباً على رئيسين واغتيال رئيسين آخرين، ما جعل منصب تولي سدة الحكم أشبه بالانتحار والتضحية الجريئة للرئيس الجديد الذي إن لقي حتفه فهو بطل، وإن أكمل المشوار فهو أكثر بطولة وحنكة ودهاء في قيادة دفة وطن مضطرب، متخم بالتناقضات والتحكمات والتجاذبات الاجتماعية والدينية والسياسية التي يصعب دحرها بيسر لصالح بناء دولة نظام وقانون وديمقراطية؛ لكن بلوغ الرائد/ علي عبدالله صالح في 17 يوليو 1978 خيّب كل التوقعات اليائسة والآمال المرسومة، وخط طريقاً غير متوقع بعيداً عن مسالك الإخفاق، ونائياً عن دروب الفشل، عابراً للمضيق بسلام، ومشرعاً في رسم ملامح يمن أخرى متجاوزة لماضيها ومتطلعة لحاضر ومستقبل مختلفين كلياً عما كانت عليه.
ومن هنا، فإن التاريخ اليمني المعاصر يتخذ من ذكرى هذا اليوم حدثاً للتفريق بين صورتين للجمهورية الوليدة والجمهورية المستقرة المتخطية لحزمة التعقيدات وكومة العراقيل الملقاة في طريقها وزحزحة نفوذ مراكز الهيمنة القبلية والدينية، لصالح تأسيس مشروع دولة مؤسسات ووعي سياسي ديمقراطي، كما أن هذه الذكرى كانت مفتتحاً لثلاثة عقود لم تنجرف فيها صورة الدولة وتسقط في متاهة الصراعات البينية التي بقيت لكنها لم تحظ بانتصار وإزاحة لمشروع الوطن الكبير.
وتُختزل هذه الذكرى في الشخصية الاعتبارية والقيادية التي تغلبت على كافة التحديات الجسيمة، ومضت قدماً دون الإخفاق والرضوخ للرغبات العدائية الطامحة بالتهام الدولة وقولبتها وفقاً لنهج ديني أو قبلي أو سياسي، إنها شخصية الزعيم الشهيد صالح، الشخصية المحيرة التي استطاعت تحقيق المكاسب الوطنية والمنجزات السياسية والاستقرار النسبي وصنع توازنات، رغم تصاعد موجات الخلاف والمكائد السياسية ومخاطر الإفشال، فتجاوزها بأقل الوسائل محافظاً على استمرار سريان عجلة الوطن إلى الأمام دون توقف أو عجز، وهنا تكمن فطنة الرجل وحنكته ونبوغه السياسي في فترة حكمه لليمن التي صنع لها كياناً ومكانة وهيبة رغماً عن أنف التحديات.
وحين توقف قطار هذا اليوم في فبراير 2012، فُقدت ملامح اليمن البهيجة، لتتشظى البلد بين مخالب الطامعين وأنياب النافذين وصولاً للابتلاع الكبير من قِبل المشروع الكهنوتي الرجعي الجارف لفكرة الدولة والمقتلع لجذورها معيداً إياها لنقطة الصفر، ولم يبقَ إلا الأسى وعض أصابع الندم على حقبة الزعيم وأخطائها وإخفاقاتها كما يصورها أعداء السلام والاستقرار ممن كانوا سبباً في زرع بذرات السقوط والضياع الذي نقبع وسطه للتو ولم نعد قادرين على انتزاع بذرة من انتصار أو حفنة من سلام واستقرار.
ولقد كشفت الأحداث التي أعقبت تسليم الرئيس صالح للسلطة، أن الأطراف المنددة بالديمقراطية والنزاهة والقدرة على إدارة شؤون البلاد بمثالية وإخلاص لم تكن تحمل في جعبتها إلا الرغبة في النفوذ والسيطرة على المناصب، ولم تكن صادقة في امتلاكها مشروعاً وطنياً البتة، والأمَرّ من كل ذلك أنها ركبت موجة التغيير ولم تدرك تبعاته ومخاطرة؛ فأسقطت الدولة وفككت بنيتها حتى تسنى لعدو اليمن الأول والأخير (الكهنوت الرجعي) أن يمضغها بين فكيه بيسر وقسوة دون رحمة، أما صالح فقد ختم مسيرته البطولية بانتفاضة 2 ديسمبر مستنكراً المأساة التي لاقاها شعبه على يد الكهنوت، مؤسساً بذلك لعهد جديد من مقاومة المليشيات الرجعية واستعادة الجمهورية والحفاظ على الوحدة وسيادة الوطن، والوقوف ضد المؤامرة الكبرى التي قضت على اليمن والجمهورية بدعوى التغيير.
الرحمة والخلود لروح الزعيم البطل الشهيد/ علي عبدالله صالح في ذكرى ميلاد اليمن على يديه.