امتحانات الثانوية العامة تهدد مستقبل الأجيال في مناطق الحوثي ( تقرير)
في ظل حرب شعواء تشنها مليشيا الحوثي على التعليم في المناطق الرازحة تحت سيطرتها، تشهد امتحانات الثانوية العامة للعام الجاري، انتشارًا غير مسبوق لظاهرة الغش، ما يضاعف التهديدات للجيل في تلك المناطق، المستهدف من قِبل المليشيا الإمامية بالتجهيل وتسميم العقول بالخرافات وتنشئته ليكون وقودًا لحربها وأفكارها الإجرامية.
ووفق عدد من الأساتذة والمواطنين والطلاب، فقد فتحت مليشيا الحوثي الباب واسعًا لانتشار ظاهرة الغش في قاعات الامتحانات، خاصة مع وجود طلاب ملتحقين بمعسكراتها، لا يحضرون إلا أيام الامتحان، فيجبر المراقبون على التواطؤ معهم، ومع بقية الطلاب، وتزدحم ساحات المراكز بمن يقدمون الغش للطلاب في الداخل.
عبدالسلام "20 عامًا"، الذي يؤدي اختبارات الثانوية العامة في إحدى المدارس في صنعاء، يقول لـ" 2 ديسمبر": أصبح الغش واقعًا مفروضًا علينا، ويتم أمام مرأى ومسمع الجميع، في ظل الأوضاع التي خلفتها سياسات الحوثي، والحرب التي يشنها ضد التعليم في صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرته.
وأوضح: "نحن لم ندرس من أول السنة، حتى نصف المقرر، ولا يوجد أساتذة للمقررات الدراسية ولا تتوفر الكتب المدرسية، وهو الأمر الذي جعل الطلاب يلجأون للغش في الاختبار كي يتجاوزوا مرحلة الثانوية ويحصلوا على معدل جيد يؤهلهم للالتحاق بالجامعة".
مشيرًا إلى أن "قاعة الامتحانات أصبحت قاعة للتنافس على الغش؛ إذ يسمح المراقبون للطلاب بتبادل أوراق الغش، فيما يحاول طلاب آخرون الحصول على إجابات أسئلة الامتحان بواسطة التلفون المحمول، وغير ذلك من أساليب".
فرص للمتاجرة
في ظل انقطاع المرتبات والوضع الاقتصادي والمعيشي الأسوأ في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، أصبحت اختبارات الثانوية العامة مصدر ارتزاق العديد من القائمين عليها.
يقول الإعلامي والناشط الحقوقي لؤي العزعزي، لـ"2 ديسمبر" إن الغش في امتحانات الثانوية إحدى الظواهر التي أفرزتها مليشيا الحوثي وزادت من انتشارها، بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور الذي جعل من الغش فرصة للارتزاق والمتاجرة بمستقبل الطلاب من خلال إدخال الغش إلى قاعات الامتحان بواسطة أشخاص مقابل مبالغ مالية معينة.
ويتابع: لاشك أن أضرار الغش انتشرت بشكل مخيف في أوساط المحافظات الخاضعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، وتتمثل بتدمير مستقبل جيل كامل، وهو جزء من عملية تدجين ممنهجة، وعملية شحن، وتلغيم، وتفخيخ للعقول، والأدمغه من الأبناء الذين يتخرجون وهم لا يدركون مدى أهمية التعليم، بل ويصبحون فريسة سهلة للانحراف أو لتقبل الأفكار المتطرفة لدى جماعة الحوثي، أو يتجهون إلى رصيف البطالة في سن مبكرة دون القدرة على الالتحاق بالجامعة ومواصلة تعليمهم.
وأوضح العزعزي: لقد أصبحت من الإجراءات اللازمة للنجاح لدى الجماعة، هو القيام بالأنشطة الثقافية أو الحركية التابعة لهم، أو الالتحاق بالجبهات، وهكذا يتم ضمان النجاح لدى الطالب؛ بل إن الجامعات والمدارس أصبحت تُخصص لعدد معين من المنتسبين للمليشيا.
وأردف العزعزي: أفرزت ظاهرة الغش جيلًا غير متعلم، لا يستطيع الإنتاج وخدمة المجتمع في مختلف المجالات التي من المفترض أن يتواجد فيها الشباب لخدمة البلد.
من جانبه يقو تربوي في صنعاء لـ"وكالة 2 ديسمبر" نتحفظ عن ذكر اسمه خشية على حياته من بطش المليشيا، إن انتشار ظاهرة الغش نتيجة للآثار السلبية التي خلفتها جماعة الحوثي ومناهجها الطائفية في المناطق التي تحت سيطرتها، ومع تدهور العملية التعليمية المترافقة مع تدمير المدارس وانقطاع مرتبات الموظفين، ازدادت ظاهرة الغش وأصبح المجتمع يعول عليها في ضمان نجاح الطالب واجتيازه المرحلة الثانوية.
ويؤكد أن ظاهرة الغش تعمل على قتل الطموح لدى الطلاب المجتهدين، حيث يشاهدون كمية الغش التي يحصل عليها الطلاب أثناء الامتحان، والدرجات التي يحصلون عليها، فيقل اجتهادهم والاعتماد على أنفسهم، ويلجأون إلى الغش والتلاعب للحصول على درجات عالية، كالبقية.
لافتًا إلى أن انتشار هذه الظاهرة يتزامن مع تفشي الفساد في الجهاز الإداري لمكاتب التربية والتعليم في العاصمة المختطفة صنعاء، وغياب الرقابة على سير العملية التعليمية، ما يهدد العملية التعليمية ومستقبل الطلاب.
مستقبل مجهول
هناك طرق عديدة ومختلفة للغش من مركز إلى آخر، ومستحبة للكثير من الطلاب اللذين يجهلون العواقب الناتجة من الغش، والتأثير على مستقبلهم الصاعد.
الطالب ريدان ، يوضح في حديثه لـ" 2 ديسمبر"، طرق الغش في المدرسة التي يؤدي بها الامتحانات، أبو عبيدة بن الجراح، في "التعزية" الرازحة تحت سيطرة المليشيا: يُفرض على كل طالب 1500 ريال يوميًا لرئاسة لجنة المراقبة، مقابل توفير الإجابة النموذجية لحل الاختبار من الكتب وعدة وسائل أخرى، بالإضافة إلى طلاب آخرين يقومون بالتنسيق مع أساتذة المقررات لحل الإجابة على نماذج الاختبارات، مقابل مبالغ مالية.
وأضاف: هناك إهمال متعمد من قِبل اللجان الرقابية والأمنية في المركز الذي نختبر فيه، وغيره من المراكز، فيقوم المراقب بفرق الطلاب أمام مرأى ومسمع رئيس اللجنة دون أي خجل.
طرق أخرى يرويها عبدالله سلطان، طالب بمدرسة في "شرعب السلام"، ل" 2 ديسمبر"، قائلًا: بعد مرور بعض الوقت من استلام نماذج الامتحانات، يقوم كل طالب بتصوير ورقة اختباره وإرساله عبر "الواتساب" أو البلوتوث، لأحد المرافقين له خارج المدرسة، فيقومون بحل الاختبار، بالإضافة إلى أساتذة المقرر نفسه أو طلاب خريجين، ثم ثم تُرسل الإجابة إلينا.
ويتابع بلغة ساخرة، أن ذلك يتم أمام مرأى ومسمع الجميع، فهو تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، التابعة لجماعة الحوثي، ومكاتبها، وأمام مدراء المدارس.
تدمير ممنهج
الناشط والمحلل السياسي، عبدالواسع الفاتكي، يؤكد لـ" 2 ديسمبر"، أن الحوثيين لا يكترثون للتعليم العام وما يتعلق به، فهو لا يعنيهم إلا بالقدر الذي يعود بالفائدة على مشروعهم الطائفي من خلال تغيير المناهج الدراسية، وتسخير كل الأنشطة والفعاليات بما يعزز نهجهم المتمثل بعقيدة الولاية والاصطفاء الإلهي.
مضيفًا: لست مستغربًا أن تكون الامتحانات بتلك الصورة التي تداولها ناشطون ومهتمون بالتعليم عبر الصور والفيديوهات الملتقطة من المراكز الامتحانية في مناطق سيطرة الحوثيين، والتي تُظهر تصاعد ظاهرة الغش الجماعي عبر وسائل مختلفة، منها استخدام الهواتف المحمولة وتبادل الكتب الدراسية، وتجمع الطلاب في حلقات على هيئة مجموعات للإجابة على الأسئلة، الأمر الذي يجعل عملية الامتحانات فارغة المضمون وشكلية.
وأردف الفاتكي: إن إجراءها بتلك الصورة لا يقلق الحوثيين الذين يعدون تلك المظاهر من الأعمال التي تكسبهم شعبية لدى الطلاب وأولياء الأمور، وأيضًا تحقيق الوعود التي قطعوها على أنفسهم لمساعدة الطلاب المنخرطين في الجبهات، كمحفز للطلاب لترك مقاعد الدراسة والتوجه لجبهات القتال.
نحن أمام تدمير ممنهج للتعليم وتشويه لمخرجاته وسمعة المؤسسات التعليمية، الأمر الذي يؤثر على مصداقية مخرجات التعليم، ويؤثر أيضًا على الخريجين الراغبين في الالتحاق بالتعليم الجامعي داخل اليمن أو خارجه، وفق الفاتكي، الذي أضاف: لا يمكن وضع حد لظاهرة الغش في مناطق سيطرة الحوثيين لأنها أضحت برعاية مسؤولي الحوثيين وبعلمهم، وتحظى بتأييد مجتمعي من قِبل بعض أولياء الأمور وكأن الغش بات حقًا من حقوق الطلاب.
وبحسب إحصائيات لوزارة التربية، التابعة للمليشيا، يبلغ عدد المتقدمين للامتحانات العامة 612 ألفًا و267 طالبًا وطالبة موزعين على 5 آلاف و112 مركزًا امتحانيًا في أمانة العاصمة والمحافظات، منهم 253 ألفًا و157 طالبًا وطالبة في الثانوية العامة و359 ألفًا و79 طالبًا وطالبة في التعليم الأساسي.