"القردعي.. الشيخ الثائر والشهيد الملهم".. الأبعاد البطولية من حياته وشعره
في البدء يمكن القول إن الظروف الراهنة والتحديات الوجودية المصيرية التي تحيط بنا في هذه السنوات تجبرنا على أن نعيد تشكيل وعينا السياسي والثقافي بما يتناسب مع كل المخاطر المحدقة والجارفة لواقعنا كوجود، ولتاريخنا كهوية، ولمصيرنا كمجتمع يمني جمهوري أشرقت شمسه في صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر في العام 1962م، بعد قرون من ظلام الإمامة وجبروتها، وبما أنه قد عاد ذلك السواد بحلة جديدة بزعامة حوثية رجعية طامحة بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، فكان لزاماً علينا أن نصحو من غفوتنا ونستشعر هول الكارثة، ونفكر بشكل أعمق لمجابهة هذا الطوفان سياسياً واجتماعياً وثقافياً.. وما يهمني هنا في هذا السياق هو التركيز على الجانب الثقافي.
فالمثقف والباحث والكاتب مجبر على الإسهام بدور نضالي من دائرة تخصصه وعمله، والقيام بالبحث عن نقطة مضيئة تتطلبها اللحظة المتأزمة حالياً ليكون لها دور تنويري وثقافي وسياسي على العامة والخاصة ممن هم في نفس مسار مقاومة العدو التاريخي للحرية والكرامة في اليمن.
يبدو كتاب "الشيخ الثائر والشهيد الملهم: علي ناصر القردعي، دراسة في الأبعاد البطولية من حياته وشعره"، للباحثَين: علي عزي قائد وأمل قاسم الزمر، الفائز بجائزة وزارة الأوقاف والإرشاد في العام 2022، بمثابة وجبة دسمة وقعت في يد جائع مكبل فسدت حاجته، وفكت قيوده ومنحته الأمل والثقة في استعادة ذاته وتوازنه وشحذ هممه لاسترداد ما سلبه منه، وهذا يعني أن كتاباً قيماً عن شخصية ملهمة واستثنائية وصاحبة دور بطولي ووطني كانت قد فتحت لنا الطريق للنضال والكفاح قبيل سبعة عقود ونيف، وتمكنت من الظفر برأس الطاغية الأكبر/ يحيى حميد الدين، الذي عاود أحفاده أذناب إيران اعتراض مستقبلنا وإعاقة وجودنا، يجعل من هذا الكتاب قيمة وطنية ونضالية وتاريخية.
وعليه؛ فإن الكتاب لا تقتصر أهميته على إنجازه، وإنما في استدعاء موضوعه واستحضاره إلى جوهر اللحظة الراهنة ليكون تحفيزاً قوياً وملهماً تاريخياً علينا كجيل تلقفه بشغف وسبر أغواره والاتعاظ بما يحتويه وما يتضمنه بين دفتيه عن قائد حميري عظيم صنع لنا مجداً قبل أن يولد المجد.
وبتفصيل الحديث عن هذا الكتاب، سنجد أن غايته وهدفه ودافعه تنبثق من معطيات وطنية وثورية وثقافية انصبت في التركيز بصورة ظاهرة ومضمرة على إبراز الأبعاد البطولية للقردعي في حياته وشعره، وبمعنى أدق: تلمس هذه الأبعاد، وذلك عبر حفرية منهجية بحثية فككت أفعاله وشعره باعتباره خطاباً وتمكنت من الإمساك بتلابيب البطولة وجذورها عند القردعي، وإظهار شخصيته للقارئ بصورة ملهمة ومثيرة ومحفزة ، لأن السياق العام يتطلب من القارئ جرعة تحفيزية وإثارة حميته النضالية وتحميسه للسعي في نيل بطولة ومجد كالذي ناله القردعي.
ولذا؛ فقد اتسم الكتاب بسعيه الحثيث والجاد للقبض على صورة البطولة القردعية وكشف ملامحها من حيث بُعدها القيمي وبُعدها السياسي وبُعدها الثوري؛ ففي بُعدها القيمي توغل الكتاب في البحث عن الجذور والجينات اللتين صنعتا شخصية القردعي من خلال الاهتمام بطبيعة تنشئته التي كانت تتضمن قيم الحرية والعزة والشجاعة، وهي المؤثر الأهم في تشكيل شخصية القردعي، أما الجانب الثاني من البطولة فتمثل بالبُعد السياسي، حيث إن شخصية القردعي الحرة لم تتقبل فضاء الذل والقهر في محيطه الاجتماعي من قِبل الإمامة، فكان الواقع مستفزاً لمبادئه المغروسة فيه، ما جعله ينهض بمهمة وطنية تمثلت بالبُعد الثالث للبطولة وهو البُعد الثوري الذي أبرز الفعل الثوري والنضالي للقردعي ودوره في مقاومة الإمامة والتضحية بحياته ثمناً لما ترسخ في أعماقه من حلم وطموح تحرير اليمن من الكهنوت؛ فكان فعله اختراقاً جباراً لحصون الظلم ومفتاحاً مهماً في تدفق النضال والثورة حتى بلوغ النصر.
ومن هنا؛ فإن الكتاب لم يهدف إلى استعادة شخصية القردعي، وإعادتها إلى الواجهة فحسب؛ وإنما استغلها باحترافية ليتخذها نموذجاً صور عبرها الشكل المثالي للبطولة التي ينبغي أن يكون عليها أي مناضل شجاع وأي وطني حر وغيور حيث تسري الحرية في عروقه، وحب الوطن خلايا نشطة في جسده، والعزم والشدة والإرادة معانٍ تقوده إلى خوض المغامرات وتحدي المستحيل دون خشية النتائج أو التردد والرضوخ لأي واقع وتقبّله، فكلما سرت البطولة فينا وتوغلت الشكيمة كما كانت عند القردعي لن يقف في طريقنا عائق أو يعترض مسارنا أي تحدٍّ.
وخلاصة القول: إن هذا الكتاب منح الشهيد القردعي اعترافاً شعبياً وتقديراً مجتمعياً؛ تكريماً وعرفاناً لدوره البطولي، وتمجيداً لائقاً برمز وطني كان مغيباً عن وعينا السياسي والثقافي بالرغم من حاجتنا الملحة له، والاحتذاء والسير على هذا النهج القردعي في التصدي للرجعية والسلالية الحالية.
ولزاماً علينا أن نعترف بالجهد المبذول من قِبل الباحثَين والتزامهما الدقة والموضوعية والخروج ببحث رصين وشيق ومهم وملهم يستحقان عليه كلمة شكر وامتنان لا مناص منها كأقل واجب واعتراف منا لهما كما كان جهدهما بمثابة اعتراف وشكر للشهيد الشيخ/ علي ناصر القردعي.