مات عبدالعزيز المقالح: هذه الجملة التي كنا نتمنى ألا نسمعها حتى بعد ألف سنة؛ لأن ألمها يفتت عظامنا الناحلة، ويشعل النيران في همومنا المكدسة كنقم، وحده الرجل هذا من شق طريقاً لنا في الحلم والحياة، والوطن والثورة، والحب والسلام، والأخلاق والجمال، شهد لحظة بزوغ الفجر ولحظة انسدال عتمة الظلام، وأهدر عمره منعاً للقاء اللحظتين في عمر إنسان واحد، حشد كل طاقاته الوطنية والإبداعية والإنسانية منذ صباه في بلوغ هذا التحدي الوجودي الذي ظل على عاتقه عقوداً.
 
خاض صراعاً مريراً مع الزمن والطبيعة والثقافة والوجود والإنسان، يذيب الصخرات العظام ويتجاوز المصاعب الجسام، هروباً من الانكسار، وبعداً عن غياب النهار، كأنما اليمن بكل طموحاتها هي هو، وهو هي، لا فرق بينهما، رغباتها هي رغباته، وأحلامه هي أحلامها، وسعادته هي سعادتها حتى انحل عوده وانحنى ظهره، وجف حبره، ودمعت لغته، إثر خذلان الأقدار لنبضه الوجودي وغرقان حلمه في طوفان السقوط والضياع.
 
لم يسع رجل مثله في إثبات الوجود الحقيقي لليمن أرضاً وإنساناً، وترسيخ مكانتها بين الأمم، سابق الزمن في إحضار كل ما هو غائب، ومنح هذا الوطن بصمة في كل شيء، في شتى مواطن الإبداع والتحضر، كأنما هو المؤسس والأب الحقيقي لما ظفرت به اليمن، وصراعها مع مركزية القبيلة والتطرف، ليجرها عنوة نحو التمدن والتعدد والقبول بالآخر.
 
لكن الأمر المريع حقاً أن يموت المقالح ونحن ننقاد كالقطيع نحو السقوط، وتتهاوى كل أحلامنا ومبادئنا، لم يعد بيننا رجل يخشى علينا من الضياع مثله، أو يدرك مأساتنا التي ناضل دهره كله خوفاً من ابتلاعها لنا، أصبح كل ما حولنا زائفاً وهشاً، فأي سند نستلقي عليه بعده، فيا لها من مصيبة!؟
 
قد لا يفقه بعضنا حقيقة هذا الرجل/ الوطن، أو ينالهم العجز وهم يدركون كنهه ومكنونات حياته، فلا يمننا يزخر بمثيل له، ولا حاضرنا يبشر بأمل نقتات من بذوره كآماله التي نثرها يمنة ويسرة في كل حرف وكلمة وجملة ونفَس وفعل وعمل وسلوك كان مصدرها عبدالعزيز المقالح. 
 
عزاؤنا لليمن قاطبة في مصابنا هذا، عزاؤنا للغة، عزاؤنا للشعر، عزاؤنا للإبداع، للفكر للنضال للتاريخ للثورة للجمال، لكل ما هو جميل ومثالي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية