مع ساعات الصباح الباكر، تبدأ نساءٌ في صنعاء بتفتيش الشوارع وبراميل القمامة للحصول على قِطع الكرتون لاستخدامها في إعداد وجبات الطعام، في صورة تعبّر عن مدى ما وصل إليه الناس من الفقر والحرمان الذي ضاعفته مليشيا الحوثي باحتكارها مادة الغاز، حتى غدا الحصول على أسطوانة غاز حلمًا صعب التحقق إلا بمعجزة.
 
في حديث ممزوج بالألم تحدثت المسنّة "رقية" لـ"2 ديسمبر" عن لجوئها إلى الكراتين كوسيلة لطبخ وجبات الطعام، فمليشيا الحوثي- حسب قولها- خلقت أزمات متعددة جميعها متعلقة بحياة الناس المعيشية، من أجل التربح وجني فوائد مالية كبيرة.
 
وتشير "رقية"، وهي أم لأربعة أطفال، وزوجة معلم صادرت مليشيا الحوثي راتبه، إلى أن أغلب النساء يلجأن إلى هذه الطريقة بعد أن أصبحت أسعار أسطوانات الغاز في السوق السوداء بأثمانٍ مضاعفة، ولا تستطيع غالبية الأسر شراءها.
 
"لم نكن ندرك أننا سنصل إلى هذا الوضع"، تقول تلك المرأة بحسرة، قبل أن تكمل: "كانت أسطوانة الغاز من الأشياء التي لا أحد يفكر بها، لكنها في عهد الكهنوتيين أصبحت من أكثر الاحتياجات أهمية بالنسبة للسكان الذين توقفت مرتباتهم الشهرية".
 
وتواصل تلك المرأة حديثها، وهي تنظر إلى طفلها الذي رافقها في رحلة الحصول على كمية من الكراتين: "أنام قلقة؛ إذ يشغل تفكيري كيفية تأمين الطعام لأطفالي، نعاني من أوضاع لا يستطيع أحد أن يتصورها".
 
لا يقتصر الأمر على رقية في لجوئها إلى الكراتين لطهي الطعام؛ فقد لجأت إليه غالبية النساء في مناطق سيطرة المليشيا الإرهابية.
 
تقول أم صلاح لـ"2 ديسمبر": إلى جانب الكراتين لجأت بعض النسوة إلى الفحم من خلال استخدام المواقد المصنوعة محليًا، والتي تعمل بالفحم النباتي أو الحطب. 
 
وتشير إلى أنها تحصل على كميات من الفحم، ترسلها أسرتها في الريف مع أحد المسافرين إلى العاصمة المختطفة صنعاء، بشكل مستمر منذ ما يقارب العام.
 
ووفق الأم البالغة من العمر 40 عامًا، فإن استخدامها موقد الفحم والكراتين بدلًا عن مادة الغاز، خفف عنها مشقات إجراءات المليشيا في الحصول على أسطوانة الغاز؛ إذ تعمد إلى رفع سعر الأسطوانة إلى حد يفوق قدرتها الشرائية؛ لكن جلب الفحم من الريف يكلف- أيضًا- أسرتها مبالغ مالية لقاء دفع أجور النقل والشراء.
 
وتؤكد أن مليشيا الحوثي حوّلت حياة السكان إلى جحيم بمنعها غاز الطهي وتحويله إلى استثمار خاص من خلال بيعه في السوق السوداء بمبالغ كبيرة لا تمتلك العائلات القدرة على دفعها.
 
العودة إلى زمن المواقد 
 
أعادت أزمة الغاز المواطنين إلى زمن الإمامة والكهنوت في أسواء صورها ؛ إذ أضحت تجارة الحطب والفحم ومثيلاتها، رائجة، فيما عمل مالكو الورش إلى ابتكار مواقد محلية تعمل بالحطب والفحم بدلًا عن "البوتجاز".
 
 مالك محل في شارع هائل، لبيع الأدوات المنزلية، يخصص مكانًا بارزًا للمواقد العاملة بالفحم، بعدما تزايد الإقبال على شرائها.
 
يحكي لـ"2 ديسمبر" قائلًا: إن إقبال النساء على شراء "المواقد" يزداد كل يوم، خصوصًا هذا العام؛ مشيرًا إلى أن سعر الموقد يبلغ نحو 4500 ريال.
 
يضيف: لم يعُد البيع مقتصرًا على العاصمة (المختطفة) صنعاء، إنما يشمل كل مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، خصوصًا مع تصاعد الأزمة الاقتصادية الخانقة وارتفاع معدلات الفقر، وانعدام الغاز الذي حوّلته المليشيا إلى عملة نادرة.
 
ويشير إلى أن مليشيا الحوثي بإجراءاتها، أعادت العاصمة الرازحة تحت سيطرتها، إلى زمن الفحم والحطب، في أبلغ تعبير عن حجم المعاناة التي يكابدها السكان.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية