يعتزم سليم، الذي يعمل في أحد المستشفيات الحكومية بالعاصمة المختطفة صنعاء، مغادرة المدينة واللجوء إلى المناطق المحررة، بعد مرور ستة أعوام من العمل دون مقابل، في ظل استمرار مليشيا الحوثي في سرقة مرتبات الموظفين ونهب إيرادات المؤسسات الرسمية، والمستشفيات الحكومية، الأمر الذي تسبب بأزمة إنسانية لدى المواطنين، والموظفين الحكوميين وعائلاتهم بشكل خاص.
 
يعمل سليم في هيئة مستشفى حكومي، منذ عشر سنوات قبل الانقلاب الحوثي، وكان يتقاضى راتبه شهريًا، ويعمل بدوام واحد، حينها كان يشعر بالاستقرار في عمله، لا سيما وأنه قادر على تغطية احتياجات أسرته، وتعليم أطفاله.
 
تحصيل مالي مباشر
 
ومنذ قيام المليشيات بنهب رواتب الموظفين، اضطر سليم للعمل بدوامين يوميًا، بما يقارب 18 ساعة، مقابل أن يحصل على مبالغ رمزية يتحصلها من المرضى بطريقة غير مباشرة، مقابل القيام بالعناية بهم، وتتم تلك المبالغ البسيطة بمبادرة من أهالي المرضى كونهم يدركون حجم معاناة الموظفين.
 
يقول سليم، مكتفيًا باسمه الأول، لـ"2 ديسمبر": أعمل في مستشفى حكومي بدوامين حتى أني لا أستطيع العودة إلى منزلي وأطفالي، إلا يومًا واحدًا في الأسبوع، حتى بدأت أشعر باليأس والعجز والعبودية القاسية.
 
عبودية العمل
 
خلال هذا العام، تضاعفت معاناة الموظفين كثيرًا، وبات العمل في المستشفيات أحد أوجه الاستعباد الذي تمارسه مليشيا الحوثي، كما يقول سليم، مضيفًا: "المرضى لم يعودوا قادرين على دفع مبالغ رمزية لنا، مقابل الجراحة والرعاية الطبية، كما أن مرافقيهم لم يعُد أحد منهم قادرًا على الدفع، بسبب الأوضاع المعيشية، ما يضاعف من حجم الأعباء على الأطباء الذين كانوا ينعمون بوجود الدولة قبل أن تصادرها المليشيات الكهنوتية".
 
بالرغم من حجم الإيرادات الشهرية التي تحصل عليها المستشفيات الحكومية؛ إلا أن إدارتها التابعة للمليشيات تقوم بنهب تلك الأموال وتجييرها لصالح المشروع الإيراني في اليمن، لم يتبقّ سوى ما يقارب عشرة آلاف ريال كانت تُصرف قبل انقلاب الكهنة بدل مواصلات، فيما يتم اليوم صرفها كرواتب شهرية للطواقم الطبية والإدارية بالمستشفيات الحكومية.
 
وتضاعف حجم المعاناة أكثر في الوقت الحاضر، خصوصًا في ظل ارتفاع الإيجارات وأسعار المواد الغذائية، نظرًا لسياسات الجبايات التي تفرضها المليشيات، حتى تراكمت الديون على الموظفين الحكوميين بمن فيهم الأطباء والممرضون بالمستشفيات، ما يدفعهم للتفكير في مغادرة العاصمة المختطفة صنعاء.
 
 يقول أحد الأطباء ذو التخصص الرائد في مجال الأطفال، إن مغادرة صنعاء والتوجه للمدن الخاضعة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، والبحث عن عمل في القطاع الطبي، أصبح أحد الخيارات المهمة، مع ما يحمل ذلك من ترك مساكننا والانتقال إلى حياة جديدة بحثًا عن الرزق بعد أن ضيقت المليشيات على حياة المواطنين.
 
نهب الإيرادات
 
بالرغم من حصول المستشفيات الحكومية على إيرادات شهرية تقدر بمئات الملايين، إلا أن مليشيات الحوثي سعت، عبر تعيين عناصرها في القطاع الإداري، لنهب الأموال وحرمان الممرضين من مستحقاتهم.
 
يقول أحد الموظفين في قسم التمريض بهيئة مستشفي الثورة، فضل عدم ذكر اسمه، لوكالة "2 ديسمبر"؛ إن إيرادات المستشفى الشهرية تكفي لدفع رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية، لكن يتم نهب تلك الأموال من قِبل مشرفين تابعين لمليشيات الحوثي.
 
يضيف: ما يُدفع للعاملين في القسم، من مستحقات لا يتجاوز 10% كبدل مواصلات، بهدف إجبار الموظفين على الاستمرار في الدوام، حيث يضطر أغلب العاملين لبذل جهد مضاعف من أجل تحصيل مبالغ رمزية من المرضى بصورة مباشرة، وهي طريقة لجأ إليها العاملون للتخفيف من معاناتهم في تغطية احتياجات عائلاتهم.
 
مؤسسة ربحية
 
يتحدث سمير غيلان، أحد الأطباء، لوكالة "2 ديسمبر"؛ كيف حوّلت مليشيات الحوثي المستشفيات الحكومية من مؤسسة خدمية إلى مؤسسة إيرادية ربحية خاصة بمنتحل وزير الصحة في حكومة الكهنة يحيى المتوكل، الذي قام أيضًا، بحسب غيلان، بالتعاقد مع المنظمات لدفع رواتب الموظفين، إلا أنه ينهب كل تلك الأموال.
 
ويؤكد أن المستشفيات الحكومية تحت سيطرة المليشيات شبه معطلة، وتعمل بكوادر من المتطوعين وخريجي الجامعات، ولا تقوم المليشيات بتوفير الحد الأدنى من الدواء، حتى على مستوى حقن ضرب الأدوية، يشتريها المرضى من صيدليات داخل المستشفى تتبع قيادات العصابة الإرهابية. 
 
كما يشير غيلان إلى أن المستشفيات الحكومية التي كانت تمتاز بتقديم خدمات مجانية، حولتها مليشيا الحوثي إلى جهات إيرادية وفرضت مبالغ مالية على المرضى في كافة الأقسام، لتصل إلى كراسي الرقود التي فرضت 15 ألف ريال على الواحد منها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية