فقدت الثلاثينية اليمنية أمة اللطيف محسن زاهر حياتها نتيجة لخطأ طبي تسببت به الطبيبة العراقية منى عباس حمود أثناء تدخل جراحي لاستئصال الرحم في مستشفى أزال التخصصي الواقع غرب العاصمة صنعاء، والذي عملت فيه المتهمة منى بشهادة مزورة، وفقا لمنطوق الحكم رقم 17 الصادر عن محكمة غرب الأمانة  بصنعاءفي 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، والذي أوضح أن نيابة غرب الأمانة بصنعاء تواصلت مع السفارة اليمنية بالعاصمة العراقية بغداد طالبة منها التواصل مع عمادة كلية الطب بجامعة بغداد الحكومية، لمعرفة ما إذا كانت الدكتورة منى من متخرجات كلية الطب بالجامعة؟ فجاء رد عمادة كلية الطب بجامعة بغداد أن "الوثائق الخاصة بمنى عباس حمود (بكالوريوس طب عام ودبلوم أمراض النساء والولادة) مزورة ولم تصدر من الكلية".

وتقع أخطاء طبية مماثلة من قبل أجانب غير مؤهلين يعملون في المستشفيات اليمنية، غير أن بعض الأخطاء الطبية تقع في المستشفيات الريفية ويتم حلها وديا، دون أن تصل إلى المجلس الطبي الحكومي، بحسب تأكيد رئيس المجلس الطبي الدكتور فضل حراب، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن الكادر الطبي الأجنبي العامل وصل عدده إلى 4 آلاف طبيب وفني مختبرات وممرض بدون ترخيص حتى نهاية العام 2012، وتناقص العدد منذ نهاية 2014 مع بداية الحرب ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد الأطباء الأجانب العاملين بدون تراخيص في العام 2017.

ويعد كل من يمارس مهنة الطب والوظائف المرافقة لها بدون تراخيص مزاولة المهنة من قبل المجلس الطبي منتحلا لمهنة الطب وفقا للقانون رقم 28 لسنة 2000، الذي ينص في المادة 10 منه على تولي المجلس الطبي إصدار التراخيص، ووضع قواعد لآداب وسلوكيات ممارسة المهنة، وتحديد المؤهلات والخبرات اللازمة للحصول على الشهادات الاستشارية والتخصصية لمزاولي المهنة، فيما تنص المادة 3 على حماية حقوق المرضى، والنهوض بالمهن الطبية وتنظيم ومراقبة أداء مزاولي المهنة.

 

تواطؤ رسمي يهدد مهنة الطب

تكشف رسالة حصلت عليها "العربي الجديد"، موجهة من رئيس المكتب السياسي صالح الصماد، التابع لسلطة جماعة الحوثي، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 برقم 1832، إلى رئيس وزرائه عبدالعزيز بن حبتور، مخالفة سلطة الجماعة للقوانين التي تنظم عمل الأطباء الأجانب في المستشفيات اليمنية، إذ تضمنت الرسالة إعفاء الكادر الأجنبي العامل في المستشفيات اليمنية الحكومية من تراخيص مزاولة المهنة وأوراق الإقامة "نظرا لجهودهم المبذولة في ظل الحرب التي تشنها دول التحالف على اليمن"، وبناء على رسالة الصماد، وجه رئيس الوزراء عبدالعزيز بن حبتور الذي يتبع المجلس السياسي، رسالة أخرى إلى كل من وزير الصحة العامة والسكان السابق محمد سالم بن حفيظ، ووزير الداخلية السابق محمد عبدالله القوسي، ووزير الخدمة المدنية والتأمينات طلال عبد الكريم عقلان، ورئيس المجلس الطبي في 17أكتوبر 2017 برقم 269 بإعفاء كل الكادر الأجنبي من تصاريح العمل ومزاولة المهنة والإقامة.

جاءت هذه الرسالة بناء على طلب تقدمت به قيادة مستشفى الكويت الجامعي الحكومي بصنعاء، الأمر الذي أدى إلى نسف كل القرارات والقوانين الخاصة بمزاولة المهنة، وهددت في الوقت ذاته مهنة الطب وحياة المواطنين، بحسب تأكيد مصدر مسؤول بالمجلس الطبي، وهو ما يبدو في حالة سحر عبدالله عبدالمغني، التي توفيت نتيجة خطأ طبي تسبب به فريق طبي مكون من خمسة أطباء، بينهم طبيب التخدير الهندي ناندا لاكاتري، الذي يعمل في مستشفى الكويت الحكومي بدون ترخيص مزاولة المهنة، وفقا للحكم الصادر عن محكمة غرب الأمانة بصنعاء في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 رقم 34.

ويؤكد القاضي الجنائي بمحكمة غرب الأمانة طه عبد الرؤوف نعمان، الذي فصل في هذه القضية، أن التقارير الطبية أكدت أن المريضة سحر دخلت إلى مستشفى الكويت الحكومي وهي تعاني من آلام الولادة، فقرر فريق الأطباء إجراء عملية قيصرية لها. وتابع لـ"العربي الجديد": "تقرير الطب الشرعي أكد أن سبب الوفاة هو فشل التخدير من خلال تكراره ثلاث مرات وإجراء العملية قبل موعد الولادة الفعلية".

ويرد نائب مدير مستشفى الكويت الجامعي الحكومي، بلال الردم، بالقول: "يجب أن يصدر الحكم من لجنة طبية مختصة، والمجلس الطبي هو المسؤول عن هذه القضايا"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن المستشفى سيعمل على استئناف الحكم الصادر عن محكمة غرب الأمانة بصنعاء.

 

أطباء أجانب بدون مؤهلات

يشترط المجلس الطبي على الطبيب الأجنبي الذي يرغب بالعمل في المستشفيات اليمنية أن يقدم طلبا من جهة الاستقدام وموافقة المجلس وتقديم صور عن المؤهلات العلمية، وأن تكون المؤهلات معتمدة من وزارة خارجية بلاده ومن سفارة اليمن لدى دولته أو من يمثلها، وأن يمتلك خبرة لا تقل عن سنتين، بالإضافة إلى خضوعه للتقييم من قبل المجلس الطبي، حسبما قال أمين عام المجلس الطبي الدكتور عبد الرحمن الحمادي لـ"العربي الجديد"، لكن الأطباء والممرضين والفنيين الأجانب العاملين في المنشآت الطبية الخاصة لا يمتلكون تراخيص مزاولة المهنة، ويمارسون أعمالهم دون أن تعرض وثائقهم على وزارة الصحة، أو المجلس الطبي، بحسب تأكيد الدكتور أحمد محمد صواب، نائب مدير عام المنشآت الطبية الخاصة بوزارة الصحة، لـ"العربي الجديد"، والذي أضاف أن أغلب الأطباء والممرضين الأجانب العاملين في المستشفيات اليمنية موجودون في اليمن منذ ما قبل الحرب، وما يدفعهم للبقاء هو ارتباطهم بعقود عمل مجزية مع المستشفيات، إلى جانب ضعف الرقابة عليهم وإلزامهم بتقديم وثائقهم إلى الجهات المختصة. مضيفا أن استقدام الكادر الطبي الأجنبي يتم بطريقة عشوائية من قبل المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة وشركات التوظيف المحلية، ويتم التعاقد معهم دون الرجوع إلى وزارة الصحة العامة والسكان، أو المجلس الطبي.

 

وزارة الصحة تنفذ الإملاءات

تقف وزارة الصحة التابعة للحوثيين إلى جانب المستشفيات التي يعمل بها كادر طبي غير مرخص من خلال تعطيل الأحكام الصادرة بحقهم، كما هو الحال مع مستشفى أزال التخصصي بصنعاء الذي وظف العراقية منى عباس وهي غير مؤهلة، حسبما قال القاضي طه عبد الرؤوف نعمان، مضيفا أن وزارة الصحة قامت بتنظيم مؤتمر صحافي بالتنسيق مع مستشفى أزال بعد أسبوع من صدور الحكم للإشادة بدوره في خدمة المجتمع، وتنديدا بالحكم الصادر ضده، بدلا من العمل على إنصاف الضحية.

وقضى الحكم رقم 17 الصادر من محكمة غرب الأمانة بصنعاء في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 بحبس المتهمة الفارة من وجه العدالة 10 سنوات غيابيا، وإلزام المستشفى بدفع الدية ورد ما قبضته مقابل العلاج، وكافة الرسوم والمرهونات والتعويض بمبلغ 20 مليون ريال (ما يعادل 80 ألف دولار أميركي) و3 ملايين تكاليف التقاضي، بالإضافة إلى إغلاق مستشفى أزال، وسحب تراخيص مزاولة المهنة، علاوة على إحالة مدير المستشفى السابق أحمد مطهر محمد الوجيه والمدير الطبي سعيد عبدالقادر سعيد النظاري للتحقيق بسبب توظيفهما لمنى عباس بدون ترخيص والمساهمة في هروبها، لكن لم يحصل شيء من هذا، بحسب القاضي نعمان.

ويرد مدير عام الشؤون القانونية بمستشفى أزال نبيل الهاشمي على حكم المحكمة بالقول: "الطبيبة العراقية منى عباس توظفت بالمستشفى وفقا لشهادات جامعية وترخيص عمل، ولم نبلغ من النيابة بالحجز على الطبيبة العراقية التي غادرت اليمن بشكل طبيعي وليس هروبا"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن إدارة المستشفى "تسعى إلى استئناف الحكم الصادر من محكمة غرب الأمانة والذي كان القاضي طه عبدالرؤوف متحاملا فيه على المستشفى"، وهو ما يعلق عليه الدكتور الحمادي بالقول: "عدم التزام الأطباء الأجانب بالتراخيص وفحص الشهادات والوثائق التي يحملونها يفتح الباب لكل الدخلاء على المهنة، ويؤدي إلى نتائج وخيمة"، محملا المجلس الطبي مسؤولية وجود أطباء أجانب غير مؤهلين، نظرا للصلاحيات الموكلة إليه قانونا.

مخالفة القوانين

يحظر القانون رقم 26 لسنة 2002 الخاص بمزاولة المهن الطبية والصيدلانية في المادة 4 مزاولة المهنة إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المجلس الطبي، ويسري هذا الحكم أيضاً على الأطباء المستقدمين والزائرين قبل مباشرتهم العمل في المنشآت الحكومية والخاصة، ويعاقب القانون ذاته في المادة 34 منه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، أو بغرامة مالية لا تقل عن 700 ألف ريال على من ادعى، أو أعلن، أو مارس مهنة الطب (علاجيا أو جراحيا)، أو مهنة الصيدلة من غير ذوي المهنة.

 

ويشير القاضي نعمان إلى أن القضاء لا يصدر أحكامه وفقا للقوانين الطبية فقط، وإنما يعود إلى قانون الجرائم والعقوبات اليمنية رقم 12 لعام 1994 بما يتناسب مع حيثيات القضية، وهذا ما يؤكده الدكتور الحمادي الذي يرى أن قانون العقوبات يكمل قانون مزاولة المهنة في حالة وجود جريمة طبية، وخاصة لمن لا يملكون مؤهلات، أو لهم مؤهلات مزورة، لكن المجلس الطبي الحكومي ووزارة الصحة العامة والسكان، عجزا عن تنفيذ حملات رقابية على المستشفيات لفحص وثائقهم وضبط المخالفين بالإضافة إلى العشوائية في عملية استقدام هذه الكوادر، وترك عملية الاستقدام مفتوحة، وغير منظمة من قبل المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة وشركات التوظيف المحلية التي تستقدم، وتتعاقد معهم، دون الرجوع إلى وزارة الصحة، أو المجلس الطبي، بحسب الدكتور صواب.

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية