"الدولة"- أيّ "دولة" تستحق هذه الصفة، ولو بالحد الأدنى- هي- في أبسط تعريفاتها- كيان وظيفي مجرد، يعمل وفق مواد دستورية وقانونية ولوائح منظمة، ولا يرتبط بالأشخاص والكيانات السياسية الممثلة، فهي كيانات عابرة بينما الدولة ثابتة.
 
وعليـــه، فالموظف- أيّ موظف، في أيّ مصلحة عامة- هو جزء من هذا الكيان المجرد، ولا يمكن مؤاخذته أو محاسبته أو معاقبته، سواء من رئيسه المباشر أو حتى من رئيس الدولة، إلا وفق القوانين واللوائح المنظمة لحقوقه وواجباته.
 
بعبارة أخرى: "الفرمان" الحوثي الشمولي الأخير، المسمى "مدونات السلوك الاجتماعي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة"، لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالدستور أو بالقوانين واللوائح ذات العلاقة بالعمل الوظيفي، لا في اليمن، ولا في أي دولة أخرى.
 
الموظف ليس عبدًا عليه أن يخدم مواليه وسادته، ويتبنى عقائدهم وتصوراتهم الدينية السياسية، كما يريده هذا الفرمان، بينما ينص "الفرمان" الحوثي على أن عليه "الالتزام بمبدأ الولاية" وبالشكل الكهنوتي البغيض الذي تعتنقه المليشيا، وتحاول فرضه على الآخرين!
 
كما أن الموظف ليس مجرد أجير من القرون الوسطى يمكن تكليفه بمهمات خارج دائرة عمله، خاصةً إذا كانت هذه المهمات- كما يريد الفرمان- تحط من كرامته وإنسانيته، وتتنافى مع حقوقه الدستورية والقانونية.
 
الموظف شخص حر شريف يعمل براتب محدد نظير عمله، وليس مرتزقًا قرسطيًا عليه أن يقاتل في الجبهة التي تحددها الجهة الدافعة، ووفق أجندتها ومواقفها السياسية والعسكرية، بينما ينص "الفرمان" الحوثي بأن عليه أن يتبنى المواقف السياسية للمليشيا الحوثية، و"الاشتراك بفاعلية في التعبئة العامة"!
 
الموظف اليمني شخص متعلم قارئ مطلع.. درس وترعرع في البيئة التعليمية الثقافية الجمهورية المستنيرة، وليس جاهلًا أميًا ساذجًا عليه أن يلتحق- كما يقول الفرمان- بدورات المسخ والاستلاب الحوثي التي يسمونها "دورات ثقافية".
 
الموظف اليمني مسلم، مؤمن، مستوفٍ لشروط الإسلام والإيمان، من قبل أن تكون هناك جماعة حوثية، وليس حديث عهدٍ بالوثنية ليعتنق الإسلام على يد هذه الجماعة التي تحتاج قبل الآخرين لإعادة النظر في إسلامها وإيمانها!
 
الموظف اليمني يعلم بطريقة تجريبية عملية فادحة مباشرة.. أن ما تسمى "الثورة" الحوثية، هي التي ضيعت البلاد والعباد، وحرمته من دولته وحتى من راتبه، ومن المرعب أن يطالبه هذا الفرمان بـ"حمل الروح الثورية للجماعة، والمشاركة في إحياء مناسباتها الدينية والوطنية"!
 
الفرمان الوظيفي الحوثي الجديد، محاولة لتحويل الدولة والوظيفة العامة إلى مصلحة خاصة بآل البيت، وتحويل موظفي الدولة إلى عبيد وخدم وتابعين، في حين لم يعد للعبودية مكان في العالم المعاصر بما فيه اليمن التي وقّعت على وثيقة مكافحة الرق والاتجار بالبشر بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، الثورة الجمهورية المجيدة الخالدة، حتى في "إيران" لم تجرؤ جماعة الملالي الحاكمة على إطلاق مثل هذا "الفرمان" لأنها رغم كهنوتيتها، تعرف أن الشعب الفارسي العظيم لن يقبل مثل هذه الفرمانات التي تتعارض مع أبسط محددات المنطق الوظيفي والكرامة الإنسانية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية