كشفت دراسة حديثة عن تحكمٍ كبيرٍ للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في قرار مليشيا الحوثي في اليمن، رغم بذلهم جهوداً لإبقاء الطبيعة اليمنية للمليشيا المسلحة.
 
الدراسة الصادرة عن مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية "West Point" العسكرية الأميركية، سلطت الضوء على سلطة القيادة العليا لمليشيا الحوثي ودور إيران فيما يسمى "مجلس الجهاد" الذي يرأسه شكلياً زعيم المليشيا المدعو عبدالملك الحوثي.
 
وقدّمت الدراسة التي حملت عنوان "مجلس الجهاد الحوثي: القيادة والسيطرة في حزب الله الآخر"، معلومات قيمة للباحثين عن نشأة وتطور الجناح السياسي والعسكري لمليشيا الحوثي، والارتباط العضوي بين الحوثيين وحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
 
 الدراسة التي أعدها ثلاثة باحثين متخصصين في الشأن اليمني هم: الدكتور مايكل نايتس، وعدنان الجبرني، وكيسي كومبس، خلصت إلى أن "مجلس الجهاد الحوثي" (استُنسخ عن حزب الله ويعتبر أعلى سلطة في الهيكل القيادي لمليشيا الحوثي ويقوده شكلياً عبدالملك الحوثي، فيما الإدارة الفعلية بيد مساعدين اثنين؛ الأول من الحرس الثوري الإيراني والثاني من حزب الله اللبناني.
 
وأكدت الدراسة أن العلاقة بين الحوثيين وإيران، ليست علاقة ضرورة، بل تحالف قوي وعميق الجذور يرتكز على تقارب إيديولوجي قوي وتحالف جيوسياسي.
 
في حين أكدت أن لمجلس "الجهاد الحوثي" تشابهاً لا لبس فيه مع  مجلس الجهاد التابع لحزب الله اللبناني، بما في ذلك مركزية وظائف الاستخبارات ومكافحة التجسس.
 
*تغییر الأجیال في القیادة الحوثیة.. كيف مكنت إيران عبدالملك الحوثي في السيطرة على الحركة بعد مصرع حسين؟
 
تقول الدراسة: بحلول أوائل التسعینیات، تأثر حسین بدر الدین بفكر المرشد الأعلى الأول لإیران آیة ﷲ روح ﷲ الخمیني، وأسامة بن لادن.
 
وزار والده بدر الدین إیران وبیروت بإقامة متقطعة بین الأعوام 1979 وقبل وفاته 2010، وكان یأخذ حسین وبعد ذلك بعض أبنائه الآخرین معه، لا سیما ابنه الخامس محمد (المولود حوالي عام 1965)، وابنه التاسع، عبدالملك (ولد حوالي 1979)، وكلاھما كانا طالبي دین متعطشین وأشرف على تعلیمھما بدر الدین ووطد علاقتھما مع عائلات صعدة.
 
وفي العام 1994، بدأ بدر الدین وابنه حسین بإرسال 40 طالباً دینیاً، سنویاً، إلى مدینة قم- وھو تدفق من شأنه أن ینتج في النھایة حوالي 800 طالب تم تدریبھم في قم، قیل إن بعضاً منھم قد تم إعدادھم من قِبل الحرس الثوري الإیراني بتدریب شبه عسكري.
 
وفي 1999 -2000، قضى حسین بدر الدین عاماً كاملاً في الدراسات الدینیة في الخرطوم، في وقت كان السودان أكثر المحطات الخارجیة نشاطاً في الحرس الثوري الإیراني ووزارة المخابرات والأمن على البحر الأحمر، ثم ذھب حسین من السودان إلى إیران، وعندما عاد من قم، جلب معه الشعار سيئ السمعة الذي أشاع حركة الحوثیین المسمى بـ"الصرخة".
 
وكان حسین الحوثي ووالده بدر الدین، عازمَين على كسر قالب الإسلام السیاسي في شمال الیمن المعروف بـ"الھادویة" المنتشرة في صعدة والتي تعطي تفوقاً عرقیاً لمن يزعمون انتسابهم للنبي على أبناء القبائل وتحصر الحكم فیھم، ویتطلعان إلى نموذج الثورة الخمينية في إیران وحزب ﷲ اللبناني للإلھام والأفكار والدعم.
 
كل العوامل آنفة الذكر، شكلت تكوین قیادة الحوثیین التي ظھرت في عھد حسین ودخلت أولى الحروب الست التي اندلعت ضد الحكومة الیمنیة في 2004 - 2010. وتولى حسین قیادة مجموعة كبیرة من رجال قبائل خولان بن عامر، بما في ذلك مئات الطلاب المتدینین الذین تم إرسالھم إلى مدارس قم الدینیة الإيرانية وأكثر من 10 آلاف شاب تم إرسالھم من خلال المعسكرات الصیفیة لما كانت تسمى "الشباب المؤمن" والبرامج الاجتماعیة أو التعلیمیة تحت إشرافه داخل الیمن، وأظھر ھذا الكادر الأولي للحوثیین بعض الخصائص الثابتة للقیادة والسیطرة الحوثیة.
 
ويتضح مما ورد في الدراسة أن مليشيا الحوثي تعتمد على المراكز الصيفية لتحشيد وتجنيد الأطفال لحروبها منذ تأسيسها حتى اليوم، كما أن هذا العدد الكبير يدحض مزاعم مليشيا الحوثي عن رواياتهم للحرب الأولى، حيث يتضح أن حسين الحوثي وبدعم إيراني كان قد وصل إلى المرحلة التي دفعتها إلى إعلان التمرد عن الدولة.
 
ومن نظر مؤلفي ھذه الدراسة، فإن" حركة الحوثي فضلت عضویة المقاتلین الذین كانوا مع حسین الحوثي منذ بدایة الحروب الست في عام 2004، حیث كان لھذا الكادر مزایا على جمیع المنضمین لاحقاً؛ نظراً لطول أمد ولائھم، وخدمتھم الحربیة.
 
ومن الأمثلة على ھؤلاء المنضمین الأوائل الذین تمت ترقیتھم، القادة العسكریون الرئیسیون في صعدة یوسف المداني وعبدﷲ یحیى أبو الحاكم، والذي وصفته مؤرخة حركة الحوثیین ماریكي برانت، بأنه الرجل الثاني لعبدالملك الحوثي. كما أن القیادة في السنوات التي سبقت سيطرة الحوثیین على الحكومة عام 2014، كانوا ممن یسمون بـ"السادة،" باستثناء أن أقرب أصدقاء حسین وحلیفه قبل وفاته في عام 2004، عبدﷲ عیضة الرزامي، وھو سیاسي قبلي من نفس العمر، كان بمثابة ذراعه الیُمنى في حرب الحوثیین الأولى في الیمن 2004.
 
ووفق مؤلفي ھذه الدراسة، فإن الخلافات التي نشبت عام 2005 من أجل استبدال زعیم للحوثیین بدلاً عن حسین الحوثي الذي توفي في 2004، شكل السمة الرئیسة الثانیة لترتیبات القیادة والسیطرة للحوثیین- وھي تفضیل بدر الدین القوي لقیادة صعدة المستمدة من صفوف أقاربه فقط، ومنعها عن أبناء القبائل؛ ومن أجل ذلك كان لابد من إزاحة عبدالله الرزامي الذي كان قد تولى قيادة الحرب الثانية ضد الحكومة بعد مصرع حسين الحوثي.
 
 تقول الدراسة: عندما قُتل حسین على ید الحكومة الیمنیة في عام 2004، تحرك بدر الدین سریعاً لتولي قیادة حركة الحوثیین شخصیاً، من أجل منع القیادة من تجاوز عائلته، حتى إلى موالٍ قبلي قدیم مثل عبدﷲ عیضة الرزامي أو صھره مثل یوسف المدني.
 
لكن اختیار عبدالملك، الذي كان آنذاك شاباً في أوائل العشرینيات من عمره، كقائد عسكري أعلى لحركة الحوثیین في زمن الحرب، یسلط الضوء على اتجاه ثالث في القیادة والسیطرة للحوثیین- أي ھیمنة القادة الذین لھم صلة خاصة بإیران وحزب ﷲ، وبغض النظر عن السجین محمد ویحیى المنفي، تجاوز بدر الدین خمسة أبناء مؤھلین أكبر من عبدالملك عندما توفي حسین ھم: عبدالقادر، أحمد، حمید، أمیر الدین، وإبراھیم.
 
ومن خلال قراءة مؤلفي ھذه الدراسة للأحداث، فإن بدر الدین لم یتردد في المخاطرة بعزل أكبر القبائل الموالیة للحوثیین وأبنائه الكبار في لحظة حرجة في صراع الحركة مع الحكومة الیمنیة في 2005 - 2006، حیث ألقى بثقله وراء عبدالملك، الابن الأكبر لعروس صعدة الثانیة وابنه البكر التاسع، الذي رافقه في زیارات إلى إیران أكثر من أي ابن آخر باستثناء حسین. وبحسب المؤلفین، فإن عبدالملك المكلف بقیادة الحركة، كان علیه أن یشارك نفس رؤیة وتجارب والده بدر الدین وأخیه حسین، وھي استنساخ نموذج "الثورة الإیرانیة" وحزب ﷲ اللبناني".. يُتبع

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية