الإمامة الهادوية فكرةٌ واحدة، تطلُّ بقرونها الشيطانية من منافذ عدة، تارة في هذا البيت، وتارة في ذاك، وخلال تاريخها تناوبت البيوتات الإمامية الحكم من بيت الرسي إلى بيت العياني، إلى أحمد بن سليمان، إلى الحمزات، إلى آل شرف الدين، إلى القاسميين الذين امتدوا إلى بيت حميد الدين، وأخيرًا آل بدر الدين، وجميعهم في الإرهاب شرق. يستقون من فكرة واحدة، وينتمون إلى أصل واحد. جميعُهم- بلا استثناء- نكّل باليمنيين وشردهم واستبد بهم، خلفًا عن سلف، ولا يزالون، مدعين الفضيلة، وتمثيل السماء في الأرض، في أسوأ حكم ثيوقراطي، يفوق بشاعة حكم الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى لأوروبا. 
 
عدوى الإرهاب المتوارث
 
إنَّ العدوى النفسيّة كالعدوى الحسيّة المادية، تسري بين الجماعات كما يسري الوباء، والمرء يتقبل الأفكار أكثر كلما ترددت على مسامعه أكثر، لا كلما عُرضت على عقله، وخاصّة في مرحلة الطفولة، ووفقًا لجوستاف لوبون: "وعلى نسبة أفراد الجماعة يكون تأثير العدوى شديدًا. ولا يلبث المعتقد الضعيف أن يصبح قويًا بعد أن يكتسب الأفراد الذين يعتنقونه صفة الجماعة. والمعتقد بعد أن ينتشر بالعدوى لا يُلتفت إلى قيمته العقلية؛ إذ لما كانت العدوى تؤثر في دائرة اللاشعور فإنه لا شأن للعقل فيها..". انظر: الآراء والمعتقدات، جوستاف لوبون، 156.
 
وتزداد هذه العدوى ثباتًا ورسوخًا في المجتمعات المنغلقة على نفسها والبدائية، والتي لا تنتشر فيها نوافذ الثقافة أو أضواء المعرفة، كما هو الشّأن في جبال شمال اليمن الحصينة التي ظلت مغلقة على نفسها فترة طويلة من الزمن، فباض فيها الكيان الإمامي وفرّخ، وامتلك حاضنة اجتماعية بسبب الجهل أو التجهيل الذي فُرض على كثير من شباب هذه المناطق. وهي أساسًا لم تنشأ إلا في جبال الجيل والديلم، وجبال الرس، وجبال اليمن، بعيدًا عن المدن. ومن هنا اكتسبت تلك الصلابة والشراسة والانغلاق على الذات.
 
إنّ كلَّ يمني في نظرِ الكيان الإمامي الإرهابي البغيض متّهمٌ بالفسوقِ والعصيانِ؛ بل ومتهمٌ بالكفر والمروق من الدين ما لم يُوالِ هذه الجماعة ويساندها على باطلها، وكلها باطل من الأساس. وكونه متهمًا في دينه وعقيدته، فإن دمه وماله حلال لهم، كما تُقرر ذلك فتاواهم بصريح اللفظ، وكما تناولناها سابقًا، وهو ما جعلهم يوغلون في عداوتهم قتلًا وتشريدًا وتنكيلًا، كما فعل آباؤهم وأجداهم. ولسان حالهم كما قال الشاعر: 
هذي العَصَا من تلكمُ العُصَيّة فهل تلدُ الحيّةُ إلا حيّة؟
 
هذا كيان إرهابي كهنوتي، يقوم على نظرية عقائدية صلبة، غير قابلة للتفكيك من داخلها، وغير مستعدة للتعامل أو القبول بالآخر إلا أن يكون تابعًا لا غير. ونظريتها هذه تقليدية عتيقة، فشلت في السابق منذ وردت إلى اليمن نهاية القرن الثالث الهجري، وهي اليوم أكثر فشلًا، خاصة وهي تدّعي الاصطفائية العرقية والسلالية، ولا تقوم إلا على القوة والعنف والسلاح، كما يعترف بذلك دهاقنتها الكبار؛ ولذا من يدعوها اليوم للسلم والعيش المشترك واحترام الدولة والانخراط في العمل السياسي ليس أقل من واهِم، وغير مستوعب لحقائق التاريخ وأدبيات الفقه الهادوي الذي لا يزال إلى اليوم مرجعًا دستوريًا لديهم على تقادم عهده!
 
الإرهاب في الفكر الهادوي.. ماضٍ يتجدد
 
 تمثلُ بعضُ أشعار المؤسس الأول للكيان الإمامي البغيض، يحيى حسين الرسي، الموجِّهات الإرهابية الأولى للأجيال المتلاحقة، خلفًا عن سلف، ولكون الرسي المؤسس الأول، والذي تنتسب إليه أغلب الأسر الهاشمية اليمنية؛ فإنه يكادُ يكون مقدسًا عند أتباعه، وتمثلُ تعاليمُه شعرًا ونثرًا المرجعيّة الأساسيّة في الثقافة الدينية والسياسية الإمامية، ووفقًا لما أورده القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي، مُستقرئًا مَسيرة الزَّيْدِيَّة في اليَمن: ".. ولكن جاءت فرقةٌ من فُقهاء الزَّيْدِيَّةِ قلدوا غيرَهم، فجَمدوا على المذهب الهَادوي، وجَعلوه حَرمًا مُقدسًا، حتى قَال الإمَامُ عبدالله بن حمزة: إنا نهابُ نُصُوصَ يحيى- أي الإمَام الهَادي- كما نهابُ نصُوصَ القُرآن..". يقول الرسي في واحدة من هذه القصائد: 
الطعنُ أحلى عندنا من سلوة كر الجوامس حين طال ظماها
والروس تُحصد بالسيوف ألذ من بيضاء ناعمة تجر رداها
والسائلات من الدماء فواغرا عظمت فقسط الزيت لا يملاها
أشهى وأعجب من صبوح مدامة في القلب يظهر غيَّها ورداها
وجماجم القتلى لأرجل خيلنا في الكر تقرع فوقها وتطاها
والرُّمح في كفي كأن سنانه نجم المجرة لاح في أعلاها
 
الحوثي وجنايته على اليمنيين
 
1ــ يهود آل سالم:
"هجّر الحوثيون خلال مسيرتهم في اليمن بعض الفئات المجتمعية، بدوافع طائفية ودينية وعرقية أيضًا، كان أبرزها تهجير اليهود، وهم سكان أصليون عاشوا في مناطق مختلفة في اليمن. ففي أواخر العام 2006م أقدمت مليشيا الحوثي على تهجير سبع أسر من يهود آل سالم من منازلهم في منطقتي "الحيد" و"غرير" بمديرية كتاف بمحافظة صعدة، بعد تهديدهم بالقتل؛ حيث أشعرهم الحوثيون خطيًا بمغادرة قريتهم خلال عشرة أيام، وإن وجدوا واحدًا منهم في المنطقة بعد انقضاء هذه المدة فإنهم سيندمون جميعًا.
 وقد لجأت هذه الأسر المكونة من 45 فردًا- أغلبهم من النساء والأطفال- إلى مبنى المجمع الحكومي في صعدة، ومن ثم بتوجيهات من الرئيس علي عبدالله صالح حينها، بنقلهم إلى حي سكني محمي بالعاصمة صنعاء.
وأجبر الحوثيون يهودَ اليمن على ترك منازلهم ومزارعهم التي توارثوها أبًا عن جد دون ذنب اقترفوه سوى أنهم يهود وغير مسلمين، حد تصريح الحوثيين آنذاك. وقد قال لي الشيخ محمد عبدالعظيم الحوثي- وفي سياق التفاخر- على هامش حوار صحفي سجلته معه ذات مرة: إنه من تبنى تهجير يهود آل سالم وتشريدهم من صعدة، وليس عبدالملك الحوثي الذي يدعي ذلك. والواقع أن كليهما قد فعلا ذلك.
وبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وتحديدًا في مارس 2016، هجّرت المليشيا الحوثية 17 شخصًا من يهود اليمن إلى إسرائيل. وقد هاجر هؤلاء الجدد وبصحبتهم أنفس المخطوطات التاريخية اليمنية التي لم تُحقَّق حتى الآن، ولم يعرف اليمنيون مضمونها، وظهر أحد اليهود اليمنيين وهو يستعرض مخطوطًا كبيرًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. علمًا أنها ثاني عملية تهجير جماعي بعد عملية بساط الريح التي تمت آخر أربعينيات القرن الماضي وبداية الخمسينيات، وإن كانت أقل، وقد ذكرت رئيسة وزراء إسرائيل الأسبق جولدا مائير في مذكراتها أن عدد اليهود اليمنيين الذين وصلوا إلى إسرائيل بنهاية العام 1949م 48 ألف يهودي. انظر: اعترافات جولدا مائير، ترجمة: عزيز مي، مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر، ص: 208. 
وكما ذكرنا آنفًا، فاليهودُ مكونٌ اجتماعيٌ أصيلٌ في المجتمع اليمني منذ ما قبل الإسلام، ومن قبل ورود الغازي الرسي وأتباعه إلى اليمن، متعايشين مع عامة الناس بصورةٍ طبيعية، حتى كانت فتنةُ الرسي التي أحدثت القلاقلَ والفتن مع كل فئات المجتمع اليمني. 
مارَسَ الحوثيون إرهابًا كبيرًا ضد اليهود اليمنيين، على الرغم من سلمية اليهود اليمنيين، والتزامهم الكامل بالنظام والقانون، واحترامهم لعادات وتقاليد إخوانهم المسلمين، فنكلوا بهم وشردوهم من ديارهم وأراضيهم واستولوا عليها كاملًا؛ ملاحقين إياهم بالشائعات بأنهم ينشرون الرذيلة في المجتمع، وأنهم يصنعون الخمور ويبيعونها للمسلمين، وينشرون الأفلام الإباحية، فيفسدون الشباب، إلى آخر هذه الاتهامات والشائعات الكيدية التي عُرف بها الحوثيون، وقد انطلت هذه الشائعة على كثير من الناس، عامتهم وخاصّتهم، فلم يتعاطف صُنّاع الرأي العام مع اليهود في صعدة، ولا مع قضيتهم العادلة عدا القليل؛ نظرًا للنظرة القاصرة تجاه اليهود وحقهم في المواطنة، وربما تأثرًا بالشائعات الحوثية، فغادروا قُراهم تحت وطأة الإكراه بالسّلاح ودموعهم تتحدرُ من مآقيهم، رجالًا ونساء وأطفالًا وشيوخًا. غادر بعضهم إلى الخارج، فيما استقر البعضُ الآخرُ منهم في صنعاء، ينتظرون عودتهم إلى بيوتهم ومزارعهم؛ لكن ذلك ما لم يحدث حتى اليوم.
ووفقًا للدكتورة أروى الخطابي: "اليهود في اليمن كانت لهم مساهمتهم في بناء الدولة، ولهم دور اقتصادي واضح منذ قديم الأزل؛ لكن إيران ومن خلال ذراعها في اليمن عمدت لتهجيرهم من أراضيهم ومواقعهم".
وباستقراء تاريخ اليهود في اليمن على الأقل منذ العصر الإسلامي فما بعده لم نجدهم يومًا ما يمثلون خطرًا على الوطن أبدًا، ولا على هويته؛ بل على العكس شكلوا أحد الروافد المهمة على الصعيد الاقتصادي والثقافي، ولعبوا دورًا إيجابيًا كبيرًا في الحياة العامة، ولا أدلَّ على ذلك من حفاظهم على هويتهم اليمنية وعاداتهم وتقاليدهم حتى في داخل إسرائيل منذ هجرتهم إليها آخر أربعينيات القرن الماضي. ثم إن الفنون اليمنية اليهودية تملأ المدن والأرياف بزخارفها وتشكيلاتها ونُحوتها الخشبية على العملات والتحف والأواني، وأيضًا الأغاني والألحان التي تملأ الريف اليمني، فنون مستوحاة من الهوية التاريخية لليمن، ومن بيئته. ومشغولاتهم الفنية والحرفية مضرب المثل في الجودة والجمال والإتقان. وكانوا من أكثر الفئات الاجتماعية التي استطاعت الحفاظ على القراءة والكتابة والترجمة حين عمدت الإمامة إلى تجهيل الشعب ومحو هويته. وفي العقود الأخيرة- على الأقل من ثورة 26 سبتمبر 62- لم نسمع عن خيانة وطنية واحدة من قِبل اليهود اليمنيين، ولم نرَ يهوديًا يرفع العلم الإسرائيلي، أو حتى يتعاطف معهم في حروبهم تجاه الفلسطينيين، ومن اقتنع منهم بفكرة أرض الميعاد غادر البلاد نهائيًا، واستوطن وطنه الجديد؛ فيما الحوثيون يمثلون في حد ذاتهم كتلة خيانات ومؤامرات ضد الوطن، مرتبطين روحيًا بإيران، ومتنكرين لليمن تاريخًا وحضارة. 
 
2ــ سلفيو دماج:
دَمّاج قرية تقع في وادٍ جنوب شرق مدينة صعدة بشمال اليمن، وهي تابعة إداريًا لمديرية الصفراء من محافظة صعدة باليمن، وتأتي شُهرة هذه البلدة بوجود مركز دار الحديث الذي أسسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، أحد مشايخ السلفية باليمن، في العام 1979م، عقب عودته من المملكة العربية السعودية، مشتغلًا بالعلم، بعيدًا عن قضايا السياسة، وتوافد على مركزه الآلاف من الطلاب من الداخل والخارج، من جنسيات عدة، يعيشون حياة بسيطة، منكبّين على الحلقات العلمية والتعبد، ومتشددين في الجوانب العقدية، محاربين الخرافات والشركيات وتقديس الأشخاص وقبور الصالحين. 
ولأنهم بهذا الفكر الذي لا يروق للجماعة الحوثية، وأيضًا لأنهم موالون للدولة، فقد اتخذ الحوثيون منهم موقفًا حديًا، واعتبروهم عدوًا لهم، لذا قرروا ترحيلهم نهائيًا، وإخلاء الساحة لهم وحدهم. فالحوثيون قد بدأوا بالتنفيذ العملي لمشروعهم الذي خططوا له من زمن. 
ووفقًا لتقرير مجلس الأمن: "فرض الحوثيون حصارًا على قرية دماج، استمر من منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2011م، وتسبب القتال في تعطيل الخدمات الاجتماعية الأساسية، مما ألحق ضررًا شديدًا بالسكان البالغ عددهم 12,000 نسمة، وعلاوة على ذلك كان الحوثيون مصدرًا لعددٍ من التحديات؛ حيث فرضوا شروطًا على المساعدات الإنسانية، مثل فرض قيود على التوظيف وعلى تحركات الأفراد والإمدادات داخل صعدة، وأدت القيود المفروضة إلى تضييق مجالِ العملِ الإنساني أمام العديد من المنظماتِ، ونتيجة لذلك؛ فإن بعضَ الوكالات الإنسانية انسحبت الآن تمامًا من محافظة صعدة". 
 وخلال الفترة المذكورة، قاموا بقتل بعض طلبة العلم عن طريق القنص من الجبال، وكان من بين القتلى امرأة. ثم شنوا هجومًا في 26 نوفمبر 2011م، بالقذائف المدفعية والهاون قُتل فيه أكثر من 20 من أهل السنة، واستمر القصف والقنص والمواجهات إلى أن وصل عدد القتلى من أهل السنة حسب مصادرهم إلى 71 قتيلًا والجرحى إلى أكثر من 150 جريحًا، انتهى الحصار بعد توقيع الصلح بين الطرفين في 22 ديسمبر 2011م. 
ومع هذا وكعادة الحوثي في نقض العهود وخيانة العهود، فقد تكرر الحصار مرات عدة كان آخرها في أواخر أكتوبر 2013م، وبصورة أشد من سابقه؛ حيث تجدد الحصار مع القصف بالأسلحة الثقيلة على دار الحديث بدماج من قِبل مسلحي الحوثيين، فمنعوا من أراد الخروج من أجل العلاج؛ بل منعوا أهلَ دماج من الخروج لتأدية مناسك الحج في ذلك الموسم، وبرر الحوثيون حصارهم بأن الشيخ يحيى بن علي الحجوري، قيِّم دار الحديث بدماج، يجهز لحربهم، بالاستعانة بقائد الحرس الخاص طارق محمد عبدالله صالح والحكومة السعودية..!! وهي تهمة سافرة، يعرفها الجميع؛ إذ لا علاقة للشيخ الحجوري بالحروب من أساسها، فحروبه لا تتجاوز بطون الكتب والمدونات. 
في 15 يناير بدأ الآلاف من سلفيي دماج النزوحَ منها مع أسرهم وحوالي 12 ألف طالب باتجاه العاصمة صنعاء وبعض المدن اليمنية، بعد اتفاق رعته الحكومة، ولا تزالُ جثث طلاب العلم مرمية في الأحراش، منها 97 جثة لطلاب عرب وأجانب. بعدها سيطر الحوثيون بصورة نهائية على القرية الكبيرة، بما فيها، وقد نزح منها أهلها. 
والواقع، لقد اختلف السلفيون الدماجيون مع غيرهم، واختلف غيرهم معهم كثيرًا في مسائل دينية أو علمية؛ لكن رغم هذا الاختلاف الطويل لم تنتج عنه عمليةُ عنفٍ واحدة من قِبلهم، وإذا ما تمت مناقشتهم فإنهم أكثر احترامًا للدليل العلمي. إنهم حدّيون مع غيرهم، ولكن في الأقوال لا في الأفعال، وما يميزهم عن غيرهم أنهم إذا عاهدوا أوفوا بعهودهم، ولا يتجرأون على نقضها كما يفعل الحوثيون. علمًا أن الجدل الدائر معهم لا يعدو الجدل الكلامي فقط، ولم نسمع يومًا ما أن دمّاجيًا قطع الطريق أو حمل البندقية أو اعتدى على غيره. حتى حضورهم على المستوى الاجتماعي والثقافي كان ضعيفًا، فلم يكونوا مندمجين بغيرهم كثيرًا، ولذا عندما هاجمتهم المليشيات الحوثية لم يتفاعل معهم إلا القليل من النخبة الإعلامية والحقوقية؛ لأنهم لم يستطيعوا إيصال مظلوميتهم للرأي العام، ولم يكونوا مرتبطين بمنظمات حقوقية أو إنسانية، ولا صلة لهم بالأحزاب، ولا يزالون إلى اليوم كذلك. كل هذا لم يشفع لهم عند الحوثي أن يمارسوا معتقداتهم أو شعائرهم وفقًا لما يعتقدونه. والأهم من هذا وذاك أنهم يؤمنون بولي الأمر المتغلب، على أي نحوٍ كان، ولا ينازعونه الحكم، ويعتبرون ذلك من العقائد، وكان بوسع الحوثي أن يُزايدَ بهم أمام الرأي العام بأنه يقبل بالمناوئ له؛ لكنه لم يتحمل بقاء فكرة واحدة مغايرة لفكرته، ولن يكون بطبيعة الحال، فشرد بهم ونكل، كما فعل قبل ذلك مع اليهود، الأقلية الدينية "المجهرية" المعروفة بسلميتها وموادعتها. 
 
3ــ الطائفة البهائية:
يتواجد البهائيون في اليمن منذ القرن التاسع عشر الميلادي. حيث سكنوا المدن الساحلية لأول مرة، كالمخا وعدن والمكلا والحديدة ولحج، ومنها تناقلوا إلى بعض المدن اليمنية، مثل تعز وإب وصنعاء، وكانوا كغيرهم من الجماعات الأخرى، مواطنين يمنيين، يدينون بمعتقداتهم، كما يدين اليهود في صنعاء، والهندوس والمسيحيين واليهود أيضًا في عدن، وكما تدين بقية الجماعات الأخرى بمذاهبها ومعتقداتها، وكلٌ يتقبل الآخر، ويتعايش معه برحابة صدر. 
والبهائية جماعة سلمية، وتكاد تكون مجهرية، لمحدودية منتسبيها وقلتهم، وهي مندمجة في المجتمع بصورة طبيعية، ولا يمتلكون برنامجًا سياسيًا مناوئًا لأحد. تتوزع في كثير من الدول بطريقة عنقودية، ولا تمثل خطرًا على أي دولة. ويكاد أغلب اليمنيين لم يسمع بهم في فترة النظام السابق كاملًا. 
في السنوات الأخيرة، ضاقت بهم المليشيا الحوثية، كما ضاقوا بغيرهم، فشنت عليهم حملات إرهابية مادية ومعنوية متتالية، كعادة الحوثيين في التعامل مع من عداهم، ابتداءً من يهود آل سالم، فسلفيي دماج، فالأحزاب السياسية بعد ذلك، وانتهاء بالبهائيين. 
ووفقًا لتقرير مجلس الأمن الدولي للعام 2018م، الذي تحدث عن الانتهاكات الحوثية وإرهابها تجاه من عداها، قال: "منذ العام 2016م حُرم الكثير من أتباع الديانة البهائية من حريتهم، أو ألقي القبض عليهم بطريقة لا تُراعي الإجراءات القانونية الواجبة. وفي عام 2018م واصل الفريق التحقيق في حالات تتعلق بأتباع الديانة البهائية، ممن سُلبوا حريتهم، و/ أو اعتقلوا، و/ أو صودرت ممتلكاتهم، بطريقة لا تراعي الإجراءات الواجبة. ويشكل سلب حرية مجموعة من الأفراد أو مصادرة ممتلكاتهم بسبب أنشطتهم الدينية انتهاكًا لقواعد حقوق الإنسان". انظر: التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن في مجلس الأمن، على الرابط: https://undocs.org/ar/s/2020/70/Corr.1 
 
4ــ أطفال اليمن:
لا فرق بين مليشيا الحوثي الإرهابية وكنيسة أوروبان التي ساقت الأطفال إلى الهلاك، أو نازية هتلر، فكل الأيديولوجيات بطبيعتها متطرفة وحديّة، وتوظف كل شيء من أجل غاياتها. والطفل اليمني تضرر بصورة مباشرة وغير مباشرة من الإرهاب الحوثي في اليمن، وقد تكون هذه الشريحة أكثر شرائح المجتمع تضررًا، لضعف أو لعدم قدرة الطفل على تحمل آلام الإرهاب، سواء الألم المادي أم المعنوي.
عمل الحوثي على التغرير بأطفال المداس وأطفال الشوارع من الفقراء والمهمشين والدفع بهم إلى جبهات القتال، للزج بهم في حروبه من أجل تثبيت كرسي حكمه، وقد حرمهم من آبائهم وأمهاتهم، ومن مدارسهم التي كان يفترض أن يلتحقوا بها من أجل التعليم، بدلًا أن يلتحقوا بجبهات القتال من أجل الموت، كما حرم آباءهم منهم، وأيضًا على تهجير الآلاف منهم وتشريدهم وتعريضهم لأسوأ الظروف والانتهاكات. 
وقد ذكر تقرير مجلس حقوق الإنسان للعام 2020م أن لجان الحشد الحوثية عملت مع مسؤولي وزارة التربية والتعليم على الضغط على مدراء المدارس والمعلمين وإلزامهم على دمج عقيدة الحوثيين ونشاطات دعائية للتجنيد في مدارس محافظات: صنعاء وريمة وذمار وصعدة وعمران وحجة، مع تعيين معلمين حوثيين متطوعين، وتعزيز لجان الحشد سيطرتها على المدارس، جرت أنشطة التجنيد والدعاية بشكل أكثر انتظامًا. وذكر التقرير أن المشرفين الحوثيين مارسوا خطف الأطفال في صنعاء وذمار لتجنيدهم والزج بهم للجبهات، وأن بعض الأطفال قد تم الإيعاز إليهم من قِبل المشرفين الحوثيين بتجنيد أقرانهم من الأطفال، تحت تأثير الدعايات الكاذبة. وأيضًا فإن الأطفال المعتقلين في سجن ذمار المركزي، وسجن الصالح في تعز وسجن ذمار الغبراء "الشمالي" وسجن الأمن السياسي في ذمار، عُرض عليهم الإفراج من المعتقل مقابل الموافقة على القتال في الخطوط الأمامية، ويُزعم أن معتقلين فتيان تعرضوا للتهديد والترهيب والتعذيب وسوء المعاملة وتلقين العقائد على أيدي حراس حوثيين، كوسيلة للضغط عليهم للانضمام إلى الحوثيين. ووثق فريق مفوضة الأمم المتحدة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والأمين العام أن 135 طفلًا من أصل 174 حالة تم التحقيق فيها تم استخدامهم كمقاتلين، ونشرهم على الخطوط الأمامية في تسع محافظات على الأقل، كان 65% من هؤلاء تقلُّ أعمارهم عن 15 عامًا، ولم يتم إخبار الأولاد هؤلاء بالمكان الذي سيتم أخذهم إليه للقتال، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب؛ بل لقد تم استخدام العنف الجنسي مع بعض هؤلاء الأطفال من قبل المشرفين الحوثيين حسب نص التقرير. انظر: تقرير مجلس حقوق الإنسان للعام 2020م، 78 فما بعدها.
 
5ــ فتيات اليمن:
لم يتوقف الأمر على استغلال الأطفال الذكور فقط في التجنيد بعد خطفهم أو التغرير عليهم؛ بل لقد تم تجنيد فتيات ما بين 13 إلى 17 سنة في ست محافظات: صعدة وحجة ومدينة صنعاء وذمار وعمران وتعز، وتم استخدام هؤلاء الفتيات- حسب نص تقرير مجلس حقوق الإنسان- في أدوار دعم تجسس وتجنيد أطفال آخرين وأدوار شبه عسكرية "حارسات ومسعفات ومساعدات للزينبيات"، وأضاف أن التجنيد كان قسريًا للفتيات المعانيات اقتصاديًا، وتضمن حوافز مالية أو تهديدات، وقد وافقت عليه الفتيات كاستراتيجية للبقاء، كما تم استهداف الفتيات اللواتي يعتبرن محرومات كالفتيات التي تعولهن سيدات دون أقارب ذكور أكبر سنًا، وكما هو الحال مع الفتيان تراكم الاحتياجات الاقتصادية الماسة للأسر على مدى سنوات من النزاع جعل الفتيات عرضة لعروض الكسب المالي. وتم تجنيد فتيات أعمارهن من 15 إلى 17 سنة من قِبل الحوثيين مقابل إطلاق سراحهن من مراكز احتجاز النساء ومرافق الاحتجاز السرية في صنعاء. وتم تدريب فتاة من هؤلاء المحرومات ممن أُجبرن على الزواج من حوثيين بشخص يكبرها بثلاثين عامًا، وقد حملت منه، إلا أنها أجهضت أثناء التدريب. انظر: تقرير مجلس حقوق الإنسان للعام 2020م، 81 فما بعدها. 
 
6ــ الألغام الأرضية.. كمين الموت
 
تفننت مليشياتُ الحوثي الإرهابيّة في جلبِ كل أنواعِ الموت لليمنيين، ولم تكتفِ بنوع واحد فقط، ومن بين ذلك الألغام الأرضية التي زرعتها المليشيا في المزارع والبيوت والطرقات والمنشآت العامة، إضافة إلى الألغام البحرية. علمًا أن الألغام اختفت من أغلب دول العالم، ولم تعد موجودة إلا لدى جماعة "طالبان" الأفغانية، وجماعة الحوثي فقط التي تفوقها في العدد، كما تفوقها في الخِبرة، والخُبرة. حيث زرعت أكثر من مليون لغم، في المناطق التي تسيطر عليها، تسببت بقتل الآلاف. 
تشير التقديرات أن مليشيا الحوثي المتمردة المدعومة من إيران، زرعت أكثر من مليون لغم أرضي، في المناطق التي تسيطر عليها، تسببت في مقتل وجرح آلاف المواطنين بينهم نساء وأطفال. ورثت المليشيات من مخازن الدولة سابقًا ما يزيدُ عن 400 ألف لغم، فيما صنعت أضعافها مؤخرًا، بمساعدة خبراء إيرانيين. 
وحتى منتصف العام 2020م، انتزع مركز الملك سلمان أكثر من 167 ألف لغم وقذيفة، كلفت أكثر من 31 مليون دولار. عبر عدة فِرق متخصصة من العرب والأجانب، بلغت 32 فريقًا، وخمس فرقٍ أخرى للتدخل السريع. ذهب من هؤلاء الفرق العاملة 21 شهيدًا، فيهم خمسة من الأجانب، بعد أن بلغت المساحة الإجمالية التي تم تطيرها من الألغام نحو 10 ملايين و648 ألفًا و279 مترًا مربعًا. وتتصدر محافظة تعز المرتبة الأولى في عدد الألغام وضحاياها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية